رغبتهم في الكلام الموزون واقتضاء حصر ثقافتهم في الفن الادبي حفظوا القرآن بأجمعهم بحيث لم يمكن لاحد انكار بعض منه فضلا عن دعوى سقوط عشرة الاف من الايات القرآنية ، اذ كيف تسمع هذه الدعوى مع ان هذا المقدار من الاسقاط ـ بمرأى ومسمع منهم ـ مستحيل عادة ونرى هذا الكلام من أي شخص كان كلاما باطلا غير معقول ، التحقق في الخارج ، اذ كيف تسكت حافظة الناس بأجمعهم عن بيان تلك الكثرة الهائلة من الايات التي زعموا حذفها ولا اقل من ان يبين احد منهم عشر هذا المقدار او الالف آية منه.
وهب أنهم كانوا في زمن عثمان خائفين من الاظهار ، فهلا سكتوا في زمن مولانا علي بن أبي طالب (ع) ، ولم لم يطالبوه حتى بقرآنه لو كان جامعه قرآنا أزيد من حيث الكمية من القرآن الموجود بين المسلمين ـ قرآن عثمان ـ ، وأي مانع منع عليا (ع) من لظهاره او من اعطائهم الحرية في اظهار ما حفظوه وابراز ما في خزانة حافظتهم الى الملأ؟!
والظاهر أن المراد من توفر الدواعي على نقل القرآن وحفظه ، مطلق الدواعي حتى الشاملة لما يرجع الى حب الفن والرغبة في الاعتناء بالكلام الموزون ، من قوم برعوا في الادب وامتازوا بالفصاحة والبلاغة وانشاء الخطب والاشعار والقدرة على البيان والعلم بمحسنات الكلام وبدائعه ومزاياه ، مضافا الى كون القرآن كتابا دينيا للمسلمين وقانونا الهيا لهم ، فقياس تحريف القرآن بغسل الرجل بدلا عن مسحه أو بانكار خلافة علي (ع) أو القول بأن الدواعي كانت متوفرة على حذف مناقب علي (ع) وأولاده (ع) وكذا اسقاط أسماء مخالفيه من القرآن ، قياس باطل لان القرآن ليس فقط كتاب عقيدة وأحكام بل هو كلام معجز في أسلوبه ، حكيم في مبادئه ، جدير بالحفظ والقراءة والاستشهاد بمحكماته ، ودليل على النظام العائلي والاجتماعي والسياسي وما شابه ذلك ، فكان من المستحيل عادة حذف آيات كثيرة منه على غفلة من الناس الحافظين للقرآن