الشعر حربا بين قبيلتين في الحين الذي كان يمكن ان يصير سببا للصلح بينهما وان طالت مدة عداواتهما وخصومتهما ولما لم يكن لهم علم بالكتابة في العصر الجاهلي كانت صدورهم خزانة علومهم من اللغة والصرف والنحو والشعر والخطابة وكان لكل شاعر ديوان شعر ناطق وهو شخص يحفظ اشعاره ويقال له الراوية ، نعم انما علمهم الموالي الكتابة بعد الفتوحات الاسلامية ، ونتيجة لانحصار علومهم بما تجود به القريحة وانحصار الضابط لتلك العلوم بالحفظ عن ظهر القلب مع تلك الحافظة الصحراوية القوية كثر فيهم الحفاظ حتى ان الناظر في تاريخ الادب العربي يتحير من الارقام والكميات الكثيرة التي ينسبونها الى حفاظ الاشعار من الاشعار التي حفظوها ، وان كان العجب في غير محله بعد ملاحظة ان ذلك كان مسببا عن امور كثيرة اوجب للعرب حفظ كمية من الاشعار ، وقد رأينا نحن في العجم ايضا حفاظا كثيرين فكان لنا صديق نقل لنا حفظه مائة الف من اشعار الخاقاني والقاآني واضرابهما ممن ينظم القصائد الطوال المشتملة على اللغات الصعبة والغريبة ، وكان لنا صديق اخر قال : انا احفظ ستين الف بيتا من الشعر ، وقد ذكر السيد الجزائري عليه الرحمة في الانوار النعمانية نماذج من قضايا الحفظ العربي ، ثم أن الحافظة الصحراوية القوية التي قلنا انها كانت بمنزلة كتاب او ديوان او خزانة للعلوم ، لم تكن منحصرة بفرد او فردين بل الذهن الوقاد والحافظة القوية كانا من مزايا العرب في مستواه العام وقد نزل القرآن في مثل هذا الوسط الادبي والمجتمع العارف باللسان واسلوبه والصاعد الى اعلى مدارج الكلام. وكان القرآن كتابا للقانون والشرع معجزة خالدة للنبي ص وآله في فصاحته وبلاغته ، مضافا الى اشتماله على الحكم والمواعظ والعبر والقصص والاحكام والاخلاق ، وحينما سمع العرب هذا الكلام المعجز الذي تفوق على كل كلام ادبي موزون كانوا يسمعونه من ذي قبل من لدن الشعراء والخطباء اندهشوا