الامر الثاني :
في نزول القرآن لهداية الناس ووجوب التدبر فيه : لا شك في أن الله انزل القرآن على نبيه دليلا على نبوته وبرهانا لصدقه في دعوته وجامعا لما بعثه لتبليغه فهو المعجز في اسلوبه والهادي للانسان بمضامينه ، يسير مع الخلود وينادي بنداء : (فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ)، تحديا على المنكرين الشاكين في كونه كلام رب العالمين ومزيدا لايمان أرباب اليقين ، ولم يشهد التاريخ في طول اعصاره من اجترأ على الاقدام باتيان مثله الا رجع خائبا واعترف بعجزه.
واما مضامينه فتتضح يوما بيوم وتتبلور في الاذهان بتطور العلوم فظاهره أنيق وباطنه عميق ، يتحير العاقل بأن يقرع أي باب من ابواب علومه المتنوعة وأن ينظر الى أي جانب من جوانبه المتعددة ، فهل ينظر الى هذا السبك البديع المعجز لكل بليغ عن مباراته مع ان اللغة عبارة عن سلسلة من المواد وجملة من الهيئات منتظمة بقواعد نحوية ، وهي معلومة لكل انسان عربي ومعروضة على كل طالب اجنبي فمن عرف اللغة العربية بموادها وهيئاتها وقواعدها لم يعسر عليه تركيب الجمل ، فلم يقدم أحد على معارضة القرآن؟ وهلا يكون هذا الا الاعجاز ، وهل يبقى مجال للوسوسة في كونه كلام الرحمن؟.
ثم لا يدري العاقل هل يتأمل في فصاحته وبلاغته وتمثيلاته واستعاراته وتلميحاته وترشيحاته؟ أم يتدبر في معانيه العميقة ومطالبه الراقية الدقيقة أو يدقق النظر في كيفية رعايته لسعادة الأنسان في عيشته العائلية والنظامية ، ومعالجته لمشاكل الحياة مقرونا بما يسعده في الاخرة فالقرآن هو الكفيل الوحيد لسعادة النشأتين من دون تعطيل قانون من قوانين الحياة المادية او تعطيل غريزة من الغرائز البشرية.
أم هل يتعمق في معارفه الحقة واحكامه العادلة ونظامه السياسي