والأكثر من الاصوليين ، منهم العلّامة قدسسره ، وغيره ، على تقديم الناقل ، بل حكي هذا القول عن جمهور الاصوليين ، معلّلين ذلك بأنّ الغالب فيما يصدر من الشارع الحكم بما يحتاج إلى البيان ولا يستغني عنه بحكم العقل ، مع أنّ الذي عثرنا عليه في الكتب الاستدلاليّة الفرعيّة الترجيح بالاعتضاد بالأصل.
______________________________________________________
على حرمة التتن ـ مثلا ـ والآخر على حلّيته ، فأيّهما يقدّم؟ علما بأنّ الأصل : الحلّية ، فهل يقدّم الموافق للأصل وهو المقرّر ، أو يقدّم المخالف للأصل وهو الناقل؟ اختلفوا في ذلك ، فقال بتقديم المقرّر الموافق للأصل بعض الاصوليين (والأكثر من الاصوليين ، منهم العلّامة قدسسره ، وغيره ، على تقديم الناقل) وهو المخالف للأصل ، فيلزم في مثالنا تقديم التحريم وعدم التدخين.
(بل حكي هذا القول) الذي هو تقديم الناقل على المقرّر (عن جمهور الاصوليين ، معلّلين ذلك) أي : علّلوا وجه تقديم الناقل على المقرّر : (بأنّ الغالب فيما يصدر من الشارع : الحكم بما يحتاج إلى البيان ولا يستغني عنه بحكم العقل) ومن المعلوم : انّ المحتاج إلى البيان في الشبهة الوجوبية هو الوجوب ، وفي الشبهة التحريميّة هو التحريم ، امّا ما يقرّر الأصل من عدم الوجوب وعدم التحريم ، فلا يحتاج إلى بيان الشارع ، لأنّ العقل يدلّ على البراءة فيما لا بيان فيه.
هذا هو ما حكي عن جمهور الاصوليين في الكتب الاصولية ، ثمّ أشكل المصنّف عليه بقوله : (مع أنّ الذي عثرنا عليه في الكتب) الفقهيّة أي : (الاستدلالية الفرعيّة : الترجيح بالاعتضاد بالأصل) وذلك بتقديم المقرّر على الناقل ، وهذا من التدافع بين اصولهم وفقههم ، حيث انّه أسّسوا في الاصول تقديم الناقل على المقرّر ، وفي الفقه قدّموا المقرّر على الناقل.