قبحه ومقدار العقوبة فيه ، وعلى الوجهين لا يكون مستفادا من الأوّل.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى (وَما كانُوا مُهْتَدِينَ) (١٤٠) بعد قوله سبحانه في الآية نفسها (قَدْ ضَلُّوا)؟
قلنا : الحكمة فيه الإعلام بأنهم بعد ما ضلوا لم يهتدوا مرّة أخرى ، فإنّ من الناس من يضلّ ثمّ يهتدي بعد ضلاله.
فإن قيل : ما الحكمة في قوله تعالى (إِذا أَثْمَرَ) [الآية ١٤١] بعد قوله سبحانه (كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ) [الآية ١٤١] ومعلوم أنه إنما يؤكل من ثمره إذا أثمر؟
قلنا : الحكمة فيه نفي توهّم توقف الإباحة على الإدراك والنضج ، بدلالته على الإباحة من أول إخراج الثمر.
فإن قيل : قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) [الآية ١٤٥] ، وفي القرآن تحريم أكل الربا ومال اليتيم ومال الغير بالباطل وغير ذلك؟
قلنا : محرّما مما كانوا يحرمونه في الجاهلية.
فإن قيل : لم قال تعالى (فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) [الآية ١٤٧] والموضع موضع العقوبة ، فكان يحسن أن يقال فيه ذو عقوبة شديدة أو عظيمة ونحو ذلك؟
قلنا : إنّما قال ذلك نفيا للاغترار بسعة رحمته في الاجتراء على معصيته ، وذلك أبلغ في التهديد ومعناه ـ والله أعلم ـ : لا تغترّوا بسعة رحمته ، فإنه مع ذلك لا يرد عذابه عنكم. وقيل معناه : فقل ربّكم ذو رحمة واسعة للمطيعين ، ولا يرد عذابه عن العاصين.
فإن قيل : لم قال تعالى (قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ) [الآية ١٥١] ثم فسره بعشرة أحكام خمسة منها واجبة ، والتلاوة وصف للفظ لا للمعنى ، كي لا يقال أضدادها محرمة؟
قلنا : قوله تعالى : (أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ) لا ينفي تلاوة غيره فقد تلا ما حرم وتلا غيره أيضا. الثاني أن فيه إضمارا تقديره : أتل ما حرم ربكم عليكم وأوجب.
فإن قيل : لم خصّ مال اليتيم بالنهي عن قربانه بغير الأحسن ، ومال البالغ أيضا كذلك؟
قلنا : إنّما خصه بالنهي لأن طمع الطامعين فيه أكثر ، لضعف مالكه