القديم ، الذي أفادت منه العربية ، ودخل في عداد الكلمات المتصرّفة ، فكان منه الفعل والمصدر.
٣٩ ـ وقال تعالى : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ) [الآية ١٦٧].
قوله تعالى : (تَأَذَّنَ رَبُّكَ) بمعنى عزم ربّك ، وهو «تفعّل» من الإيذان وهو الإعلام ، لأنّ العازم على الأمر يحدّث نفسه به ، ويوذنها بفعله ، وأجري مجرى فعل القسم ، كعلم الله وشهد الله ، ولذلك أجيب بما يجاب به القسم ، وهو قوله تعالى (لَيَبْعَثَنَ) ، والمعنى : وإذ حتم ربّك ، وكتب على نفسه ، ليبعثنّ على اليهود إلى يوم القيامة (١).
٤٠ ـ وقال تعالى : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ واقِعٌ بِهِمْ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (١٧١).
قوله تعالى : (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ) بمعنى قلعناه ورفعناه ، كقوله سبحانه : (وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّور) [البقرة : ٦٣].
ومنه نتق السّقاء ، إذا نفضه ليقتلع الزّبدة منه (٢).
أقول : وهذا من الكلم العربي القديم الذي حفظته لغة القرآن.
قالوا : نتقت الغرب من البئر ، أي : جذبته بمرّة.
وفي الحديث في صفة مكّة والكعبة : أقلّ نتائق الدنيا مدرا. والنّتائق جمع نتيقة ، فعيلة بمعنى مفعولة من النّتق ، وهو أن يقلع الشيء فيرفعه من مكانه ليرمي به. هذا هو الأصل ، وأراد بها هاهنا البلاد لرفع بنائها وشهرتها في موضعها.
٤١ ـ وقال تعالى : (مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (١٧٨).
قوله تعالى : (فَهُوَ الْمُهْتَدِي) حمل على اللفظ ، وقوله سبحانه (فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) ، حمل على المعنى.
أقول : يريد أن لفظ «من» مفرد في وضعه ، جمع في معناه.
__________________
(١). «الكشاف» ٢ : ١٧٣.
(٢). المصدر نفسه ٢ : ١٧٥.