ضرب المثل بالذباب والعنكبوت وذكر النحل والنمل قال اليهود : ما أراد الله بذكر هذه الأشياء الخسيسة؟ وقال المنافقون : لا نعبد إلها يذكر هذه الأشياء. فردّ عليهم بأنّه لا يستحيي أن يضرب ذلك مثلا ، وقد كانت العرب تضرب الأمثال بمثل هذا ، فتقول : هو أحقر من ذرّة ، وأجمع من نملة.
ثم ذكر أنّ المؤمنين يعلمون أنّه الحق من ربهم ، وأنّ الكافرين ينكرون ويضلّون به ، لأنهم فاسقون ينقضون ما أخذ عليهم من العهد لأول خلقهم أن يؤمنوا بما يأتيهم من هديه ، ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل من اتّباع دينه ، ويفسدون في الأرض بالقتل والغصب والنهب وسائر أنواع الفساد ، ثم أنكر على المنافقين منهم أن يكفروا به مع أنهم كانوا أمواتا فأحياهم إلخ ، ومع أنّه هو الذي خلق لهم ما في الأرض جميعا إلخ.
ثم انتقل السّياق من هذا إلى ذكر قصة آدم ليمهّد بها إلى ذكر ما أخذه من العهد عليهم عند خلقهم ، ولهذا ختمها بقوله : (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (٣٩).
ثمّ انتقل السّياق من توبيخ المنافقين على كفرهم به إلى توبيخ اليهود الذين يزيّنون لهم هذا الكفر ، ويؤثرونهم على النّبيّ (ص) وهو يدعو إلى الإيمان به ، وفي هذا مشاركة لهم في كفرهم به ، فأخذ يذكرهم بنعمته عليهم ، ويأخذهم تارة بالترغيب وأخرى بالترهيب ، ويذكر في هذا ما مضى من أحوالهم وأخبارهم ، فأمرهم أولا أن يذكروا نعمته عليهم ، وأن يفوا بالعهد الذي أخذه عليهم فلا يؤثروا من يكفر به على من يؤمن به ، وأن يؤمنوا بالقرآن الذي نزل مصدّقا لما معهم ، ونهاهم أن يلبسوا الحق بالباطل بمثل تلك المقالة في إنكار ما ضربه مثلا من الذباب ونحوه ، إلى غير هذا ممّا أمرهم به ونهاهم عنه.
ثم أمرهم سبحانه ثانيا أن يذكروا نعمته عليهم وتفضيله لهم على العالمين ، وأن يتّقوا يوما لا يغني فيه أحد عن أحد شيئا ، وأخذ يذكّرهم ببعض نعمه عليهم وبعض ما مضى من أحوالهم وأخبارهم ، فذكر أنّه نجاهم من آل فرعون ، وكانوا يسومونهم سوء