الخلق ، لئلا يتبيّغ الفقير بفقره ، وإذا أرخت الدنيا عزاليها ، (١) فأحقّ الناس بها أبرارها.
وقد أوضحنا ذلك بما لا مزيد عليه ، ونقلنا جملة من الأخبار الدالة على ذلك في كتاب (النفحات الملكوتية في الردّ على الصوفية).
ومن الأخبار المشار إليها ما رواه ثقة الإسلام في (الكافي) بسنده فيه قال : مر سفيان الثوري في المسجد الحرام فرأى أبا عبد الله عليهالسلام وعليه ثياب كثيرة القيمة حسان ، فقال : والله لآتينه ولا وبّخنه. فدنا منه فقال : يا بن رسول الله ، والله ما لبس رسول الله صلىاللهعليهوآله مثل هذا اللباس ، ولا علي ، ولا واحد من آبائك! فقال له أبو عبد الله عليهالسلام : «كان رسول الله صلىاللهعليهوآله في زمان قتر مقتر ، وكان يأخذ لقتره وإقتاره ، وإن الدنيا بعد ذلك أرخت عزاليها ، فأحق أهلها بها أبرارها». ثم قال : «(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) (٢) فنحن أحقّ من أخذ منها ما أعطاه الله. غير أني يا ثوري ، مع ما ترى عليّ من ثوب فإنّما لبسته للناس» ، ثم اجتذب يد سفيان فجرّها إليه ، ثمّ رفع الثوب الأعلى وأخرج ثوبا تحت ذلك على جلده غليظا ، فقال : «هذا لبسته لنفسي ، وما رأيته للناس». ثمّ جذب ثوبا على سفيان أعلى غليظا خشنا ، وداخل ذلك الثوب ثوب ليّن ، فقال : «لبست هذا للناس ، ولبست هذا لنفسك تسرّها» (٣). ونحوه غيره.
ومما يدلّ على ما قاله عليهالسلام ـ وإن كان هو الصادق فيما يقول ـ ما رواه السيد الرضي قدسسره في كتاب (نهج البلاغة) قال : (إن أمير المؤمنين عليهالسلام دخل على العلاء بن زياد يعوده في مرضه ، فقال له العلاء : يا أمير المؤمنين ، أشكو إليك أخي عاصم
__________________
(١) العزالي : المطر الكثير ، وهو إشارة إلى كثرة الخير والنعم. لسان العرب ٩ : ١٩٢ ـ عزل.
(٢) الأعراف : ٣٢.
(٣) الكافي ٦ : ٤٤٢ ـ ٤٤٣ / ٨ ، باب اللباس.