ابن زياد. قال : «ما باله؟» قال : لبس العباء وتخلى [عن] (١) الدنيا ، فقال علي عليهالسلام : «عليّ به». فلمّا جاء قال : «يا عديّ نفسك ، لقد استهام بك الخبيث ، أما رحمت أهلك وولدك ، أترى الله أحلّ لك الطيبات وهو يكره أن تأخذها؟ أنت أهون على الله من ذلك». قال : يا أمير المؤمنين ، ها أنت في خشونة الملبس وجشوبة مأكلك؟ قال : «ويحك ، إني لست كأنت ، إن الله فرض على أيمة المسلمين أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس ؛ كي لا يتبيّغ (٢) الفقير بفقره». (٣)
ورواه في (الكافي) (٤) أيضا على وجه أبسط وأوضح ، من أحبّ الوقوف عليه فليرجع إليه. وفي هذا المقام تحقيقات نفيسة أوردناها في الكتاب المشار إليه آنفا.
ولكن أصدق الله جلّت عظمته حيث يقول (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ. أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النّارُ) (٥). وهذه الآية في سورة (هود) ، والمراد بها : وصف أحوال الذين يريدون بأعمالهم : الدنيا ولذاتها ، فإنهم يوفون اجورهم فيها ، وليس لهم في الآخرة إلّا النار.
قال أمين الإسلام الطبرسي في كتاب (مجمع البيان) : (واختلف في معناه لفظا ، فقيل : إن المراد به : المشركون الذين لا يصدّقون بالبعث ؛ يعملون أعمال البرّ ، كصلة الرحم ، وإعطاء السائل ، والكف عن الظلم ، وإعانة المظلوم ، والأعمال التي يحسّنها العقل ، كبناء القناطر ونحو ذلك ؛ فإن الله يجعل لهم جزاء أعمالهم في
__________________
(١) من المصدر ، وفي النسختين : من.
(٢) تبيّغ : تهيج. مختار الصحاح : ٦٩ ـ بوغ.
(٣) نهج البلاغة ٤٣٩ ـ ٤٤٠ / الكلام : ٢٠٩.
(٤) الكافي ١ : ٤١٠ ـ ٤١١ / ٣ ، باب سيرة الإمام في نفسه ..
(٥) هود : ١٥ ـ ١٦.