في ذلك ، أو أثر غرورا ذاهبا عن قريب على فوز الأبد ، أو يفعل ذلك خوف أذى أو عصبية لمن خالف ما قد قام البرهان عنده ، أو عداوة لقائل ذلك القول الذي قام به عنده البرهان. وهذا كله موجود في جمهور الناس من أهل كلّ ملة وكل نحلة وأهل كلّ رأي ، بل هو الغالب عليهم وهذا أمر يجدونه في أنفسهم فهم يغالبونها.
قال أبو محمد : ويقال لمن قال ممن ينتمى إلى الإسلام إن المعارف ليست باضطرار وأن الكفار ليسوا مضطرين إلى معرفة الحق في الربوبية والنبوة : أخبرونا عن معجزات الأنبياء عليهمالسلام ، هل رفعت الشك جملة عن كل من شاهدها ، وحسمت عللها وفصلت بين الحق والباطل فصلا تاما أم لا؟
فإن قالوا : نعم ، أقروا بأن كلّ من شاهدها مضطر إلى المعرفة بأنها من عند الله تعالى حقّ شاهد يصدّق من أتى بها ، ورجعوا إلى الحق الذي هو قولنا ولله الحمد.
وإن قالوا : لا ، بل الشك باق فيها ويمكن أن تكون غير شاهد بأنهم محقون ، قطع بأنّ الأنبياء عليهمالسلام لم يأتوا ببرهان ، وأن الشك [قائم] في أمرهم ، وأن حجة الله تعالى لم تقع على الكفار ولا لزمتهم قط له تعالى حجة ، وأن الأنبياء عليهمالسلام إنما أتوا بشيء ربما قام في الظن أنّه حق وربما لم يقم. وهذا كفر مجرد من كل من دان به أو قاله.
وهكذا نسألهم في البراهين العقلية على إثبات التوحيد وفي الكواف الناقلة أعلام الأنبياء عليهمالسلام حتى يقروا بالحق بأن حجج الله تعالى بكل ما ظهرت وبهرت واضطرت الكفار كلهم إلى تصديقها والمعرفة بأنها حق ، أو يقولوا إنه لم تقم لله حجة على أحد ولا تبين قط لأحد تعين صحة نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وإنما نحن في الإقرار بذلك على ظن إلا أنه من الظنون أقوى وقد يمكن أن يكون بخلاف ذلك. ومن قال بهذا فهو كفر مجرد محض وشرك لا خفاء به ، ونعوذ بالله من الخذلان.
قال أبو محمد : ومن أنكر أن يكون الكفار وكل مبطل مضطرين إلى تصديق كل ما قام به برهان بعد بلوغه إليهم ، وقال إنما اضطر المرء إلى معرفته فلا سبيل له إلى إنكاره أريناه كذب قوله في تكوين الأرض والأفلاك ، ومدار الشمس والقمر والنجوم ، وتناهي مسافة كل ذلك وأكثر الناس على إنكار هذا أو دفعه الحق في ذلك ، وكذلك من دان بالقياس أو الرأي أو دليل الخطاب ، وسمع البراهين في إبطالها فهو مضطر إلى معرفة بطلان ما هو عليه ، مكابر لعقله في ذلك ، مغالط لنفسه ، مغالب ليقينه ، مغلب لظنونه.