الخردلة الواحدة؟ فهذا ما لا شك فيه أن التجزؤ أمكن لنا في الجبل وفي الخردلتين منه في الخردلة الواحدة ، لأن الخردلة الواحدة عن قريب تصغر أجزاؤها حتى لا نقدر نحن على قسمتها ويتمادى لنا الأمر في الجبل كثيرا حتى إنه يفنى عمر أحدنا قبل أن يبلغ بتجزئته إلى أجزاء تدق عن قسمتنا.
وأما قدرة الله عزوجل على قسمة ما عجزنا نحن عن قسمته من ذلك فباقية غير متناهية ، وكل ذلك عليه تعالى هيّن سواء ، ليس بعضه أسهل عليه من بعض بل هو قادر على قسمة الخردلة أبدا بلا نهاية ، وعلى قسمة الفلك كذلك ولا فرق وبالله تعالى التوفيق.
ونزيد بيانا فنقول : إن الشيء قبل أن يجزأ يكون جزءا فإذا جزئ بمنصفين أو جزءين فهو جزءان فقط ، فإذا جزء على ثلاثة أجزاء فهو ثلاثة أجزاء فقط وهكذا أبدا.
وأما من قال أو ظن أن الشيء قبل أن ينقسم وقبل أن يتجزأ أنه منقسم بعد ومتجزئ بعد فهو وساوس وظن كاذب ، لكنه يحتمل للانقسام والتجزؤ ، وكل ما قسم وجزئ فكل جزء ظهر منا فهو معدود متناه وكذلك كل جسم ، فطوله وعرضه متناهيان بلا شك والله تعالى قادر على الزيادة فيهما أبدا بلا نهاية ، إلا أن كل ما زاده تعالى في ذلك وأخرجه إلى حد الفعل فهو متناه ومعدود ومحدود وهكذا أبدا ، وكذلك الزيادة في أشخاص العالم وفي العدد ، فإن كل ما خرج إلى حد الفعل من الأشخاص ومن الأعداد فذو نهاية ، والله تعالى قادر على الزيادة في الأشخاص أبدا بلا نهاية.
والزّيادة في العدد ممكنة أبدا بلا نهاية ، إلا أن كلّ ما خرج من الأشخاص والأعداد إلى الفعل صحبته النهاية ولا بد. ثم نعكس هذا السؤال عليهم فنقول لهم وبالله تعالى التوفيق :
أتفضل عندكم قدرة الله عزوجل على قسمة الجبل على قدرته على قسمة الخردلة؟ وهل يأتي حال يكون الله تعالى فيها قادرا على قسمة أجزاء الجبل غير قادر على قسمة أجزاء الخردلة أم لا؟ فإن قالوا : بل قدرة الله تعالى على قسمة الجبل أتم من قدرته على قسمة الخردلة ، وأقروا بأنه تأتي حال يكون الله تعالى فيها قادرا على قسمة أجزاء الجبل غير قادر على قسمة أجزاء الخردلة كفروا ، وعجّزوا ربهم ، وجعلوا قدرته محدثة متفاضلة متناهية ، وهذا كفر مجرد ، وإن أبوا من هذا وقالوا إن قدرة الله تعالى على قسمة الجبل والخردلة سواء وأنه لا سبيل إلى وجود حال يقدر الله تعالى فيها على تجزئة أجزاء الجبل ولا يقدر على تجزئة أجزاء الخردلة صدقوا ، ورجعوا إلى