قال أبو محمد : أينتظر كفر بعد هذا الكفر في تصريحه أن العباد والعرب لا يجوز أن يعجزوا عن مثل القرآن ، ولا عن قلب العصا حية؟! ولا يغتر ضعيف بقوله إنهم غير قادرين على ذلك فإنما هو على قوله المعروف من أن الله لا يقدر على غير ما فعل وظهر منه فقط. ومن عظيم المحال قوله في هذا الفصل : إنه لا يجوز أن يعجز العاجز إلا عن ما يقدر عليه مع أن هذا الكلام منه موجب أنهم إن عجزوا عن مثل القرآن قدروا عليه ، وما يمترى في أنه كان كائدا للإسلام ملحدا لا شك فيه فهذه الأقوال لا ينطلق بها لسان مسلم. ومن أعظم البراهين على كفر الباقلاني وكيده للدين قوله في فصل آخر من الباب المذكور ، في الكتاب المذكور : إنه لا يجب على من سمع القرآن من محمد بن عبد الله بن عبد المطلب أن يبادر إلى القطع على أنه له آية وأنه على يده ظهر ومن قبله نجم حتى يسأل أهل النواحي والأطراف ونقلة الأخبار ويتعرف حال المتكلمين بذلك اللسان في الآفاق ، فإذا علم بعد التثبت والنظر أنه لم يسبقه إلى ذلك أحد لزمه حينئذ اعتقاد نبوته.
قال أبو محمد : وهذا إنسان خاف معاجلة الأمثلة بالرجم كما يرجم الكلب إن صرح بأن نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم باطل ، فصرح لهم بما يؤدي إلى ذلك من قرب ، إذ أوجب بأن لا يقرّ أحد بنبوة محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلىاللهعليهوسلم ولا بأنه أتى بالقرآن ، ولا بأنه آية من آياته تدل على صحة نبوته ، إلا حتى يسأل أهل النواحي والأطراف ، وينتظر الأخبار ويتعرف حال المتكلمين بالعربية في الآفاق.
قال أبو محمد : فأحال والله على عمل لا نهاية له ولو عمر الإنسان عمر نوح عليهالسلام ، لأن سؤال أهل النواحي والأطراف لا ينقضي في ألف عام ، وانتظار الأخبار ليس له حدّ ، وليت شعري متى يصل المحدود وطالب المعاش إلى طرف من هذا المجال ...؟ لأن أهل النواحي هم من بين صدر الصين إلى آخر الأندلس ، إلى بلاد الزنج ، إلى بلاد الصقالبة فما بين ذلك ، فلاح كفر هذا الجاهل الملحد وكيده للإسلام لكل من له أدنى حس.
قال أبو محمد : مع ضعف كيده في ذلك قال الله تعالى : (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) [سورة النساء : ٧٦] ويكفي من كل هذر أتى به في هذا الفصل الملعون قائله أن من له علم قويّ بالعربية والأخبار يكفيه تيقن عجز العرب عن معارضته فمن بعدهم إلى اليوم ، وأنه من عنده ضرورة لأنه لم ينزل القرآن جملة فيمكن فيه الدعوى من أحد وإنما نزل مقطعا في كل قصة تنزل يتنزل فيها قرآن ، وهذه ضرورة موجبة أنه