٣٥ ـ (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ ...) أي أنك يا محمد حين تروي قصة نوح (ع) مع قومه لكفار مكة وجبابرة قريش : هل يقولون افتريت هذا النبأ وابتدعت هذه القصة من عندك؟ (قُلْ) لهؤلاء المكابرين : (إِنِ افْتَرَيْتُهُ) إذا كنت قد كذبته وجئت به من عند نفسي كما تزعمون (فَعَلَيَّ إِجْرامِي) فأنا أتحمّل عقوبة جرمي وأنتم لا تؤخذون به بل عاقبة ذلك عليّ وحدي (وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) وأنا في مقابل ذلك متبرّئ من إجرامكم ولا أؤخذ بما ترتكبونه من معاص وآثام. وعن ابن عباس أن القول يعني به نوحا (ع) وأنه من كلامه مع قومه ، والله أعلم بما قال.
* * *
(وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧))
٣٦ ـ (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ ...) أي أعلمه الله تعالى بواسطة الوحي أنه لن يصدّقك في دعوتك أحد من قومك في المستقبل ، ولن يؤمن لك (إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) حتى الآن (فَلا تَبْتَئِسْ) فلا يصيبنّك سوء ولا تحزن ، لأن الابتئاس هو الحزن مع الاستكانة ، أي فلا تغتمّ «ب» سبب (بِما كانُوا يَفْعَلُونَ) من العناد والمعاصي. وهذا يعني أن الله الذي هو عالم الغيب قد سبق في علمه أنه لن يؤمن من قومه أحد بعد الآن ولا من نسلهم القادم ، وقضى سبحانه بإنزال العذاب عليهم وأخبر نوحا (ع) بذلك وأمره باتّخاذ التدابير لاتّقاء ذلك العذاب بدليل الآية التالية حيث يقول عزّ من قائل :
٣٧ ـ (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا ...) أي اعمل السفينة التي قدّرنا أن تركبها أنت مع المؤمنين بك للنّجاة من الإغراق الذي قدّرناه للكافرين