فيها من معنى المفاجأة ، وهي ظرف مكان هنا ، وهي كقوله تعالى : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذا هُمْ يَقْنَطُونَ). والتقدير : إذا أذقنا الناس رحمة مكروا.
* * *
(هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢) فَلَمَّا أَنْجاهُمْ إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٣))
٢٢ ـ (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ...) أي أنه تعالى هو الذي يمكّنكم من المسير في هذا وذاك ، وذلك بما خلق لكم من الوسائل والآلات التي سخرها لتركبوها ذهابا من الدوابّ ووصولا إلى السيارة والطائرة والباخرة والرياح ، وهي جميعها تحمل أثقالكم وتجري بكم في مختلف جهات أسفاركم (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ) أي لحين كونكم في السّفن ـ وقد خاطب راكبي البحر إذا كانوا من راكبيه ـ (وَجَرَيْنَ بِهِمْ) أي ومشت السفن براكبيها جارية كجري الماء. وقد عدل هنا عن الخطاب إلى الإخبار عن الغائب تصرّفا في الكلام بمعجز بلا غيّ لا أروع ولا أجمل منه في هذه اللفتة القرآنية البديعة ، إذ إنه إخبار للغائب يجوز أن يكون خطابا لمن كان في تلك الحال وإخبارا لغيره من الناس .. أجل حتى إذا ركبوا الفلك ، وجرت بكم (بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) أي ليّنة عليلة يرون نسيمها طيبا (وَفَرِحُوا