في حال يوهم أن البأس جاء بعد إهلاك القرى والإهلاك لا يتم إلّا بنزول البأس والعذاب؟ ... فالجواب : أننا أهلكنا القرى بحكمنا عليها فجاءها بأسنا ، أو أهلكناها ببعث ملائكة العذاب فجاءها بأسنا ، أو أخيرا : أهلكناها فصحّ أنه جاءها بأسنا كما فصّله في المجمع. وأما الواو في : وهم قائلون فقد قال الفراء : واو الحال مقدّرة فيه ، يعني : أو وهم قائلون. ولفظة : بياتا ، مصدر وضع مكان الحال بمعنى بائتين ، وقيل غير ذلك وهذا هو الأصح.
٥ ـ (فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا ...) أي لم يكن دعاء من أهلكناهم عقوبة على كفرهم ومعاصيهم حين نزول عذابنا بهم في وقتي الراحة من البيات أو من القيلولة (إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) يعني لم يقع منهم سوى الاعتراف بظلمهم لأنفسهم ، والإقرار بالذنوب والمعاصي في وقت لا تنفع فيه التوبة عند معاينة العذاب والتيقّن بالهلاك.
٦ ـ (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ ...) قد أقسم الله سبحانه أنه سيسأل المكلّفين الذين أرسلت إليهم الرّسل. وقد وقع هذا القسم بعد الإنذار بعذاب الدّنيا وعذاب الآخرة ، ثم أقسم أيضا بقوله القدسيّ : (وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) الّذين بعثناهم. نسأل هؤلاء عن التبليغ ، ونسأل أولئك عن الطاعة والامتثال ، مع كونه تعالى عالما بما كان من هؤلاء وهؤلاء. ولكنه أورد القسمين لإخراج الكلام مخرج التهديد والوعيد ليهتم المكلّفون وليعرفوا أنهم مسئولون. وما أحسن ما جاء في المجمع عن الحسن من أن المكلّفين يسألون سؤال توبيخ ، والأنبياء يسألون سؤال شهادة على الحق ، وأنه كيف يجمع بين هذه الآية وبين قوله تعالى : (وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ) ، وقوله : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) ، وقوله : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) ، فأجاب :
أولا : إنه تعالى نفى أن يسألهم سؤال استرشاد واستعلام ، بل سؤال تبكيت وتقريع كمن يقول : ألم أحسن إليك فكفرت نعمتي؟