صلوات الله عليه سوى نبيّ مرسل (قَدْ خَلَتْ) أي مضت (مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) فهو (ع) من جنس الأنبياء المبعوثين قبله ، وقد أرسل كما أرسلوا لهداية البشر وإرشادكم إليه سبحانه (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) من أعظم المصدّقين بالله والقانتين العابدين المتبتلين له ، فهي إذا منزّهة عن كل عيب وعن كل ما يشين الإنسان ، فاسألوها ـ لأنها مصدّقة ـ عن ابنها وكيف حملت به وكيف ولدته لتعلموا أنه بشر مثلها. فإذا ثبت عندكم أن لعيسى عليهالسلام أمّا ولدته فكيف تعتبرون البشر إلها ومعبودا والله عزوجل لم يلد ولم يولد ، وهو منزّه عن لوازم البشرية من حمل ووضع وتولّد ورعاية أو حاجة إلى غيره لأنه مستغن بذاته ، بينما عيسى وأمه عليهماالسلام (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) كبقية الناس لأنهما محتاجان إلى الأكل والشرب كبقية ذوي الأجسام القابلة للتغذية ، وهذا يعني ـ بكناية رفيعة المعنى والمبنى ـ أنهما يحتاجان لتخلية البطن من ثقل فضلات الطعام ، ومضطران للتغوّط ، وتعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا ، ف (انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ) أي نوضح لهم العلامات ونظهرها ، فنبطل زعمهم بالبرهان (ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) فانظر وفكّر كيف نهديهم ، وانظر وتفكر كيف يقولون الإفك والباطل ويقولون شططا ، وقابل بين هذين الطرفين المتضادين ، وتعجّب من هذا التصرف الأخرق!
٧٦ ـ (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ..) أي قل يا محمد لهؤلاء : كيف تؤلّهون غير الله وتقصدون بعبادتكم (ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) وهو عيسى عليهالسلام فليس بيده أن ينزل المحن والبلايا ولا أن يهب الصحة والسعة من ناحية ذاته أولا وبالذات ، وخارجا عن ذات الله المقدسة ، أو عرضا وبغير تمليك من الله سبحانه لأنه المالك بذاته .. وقد قدّم ذكر الضرر لأن الخوف أدعى إلى الطاعة ، ودفع الضرر أهمّ من جلب المنفعة.
وقيل : لماذا أتى بلفظة : ما ، في قوله تعالى : (ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً) ، ولم يقل : من لا يملك ، لأن : ما ، تستعمل لغير العاقل؟ .. وعيسى