الله (حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ) فإنهما الكتابان المقدّسان ، والله لا يعتبركم متمسكين بشيء من أوامره إذا لم تعملوا بما فيهم من تعاليم ومن دعوة للإيمان ومن الأمر بالتسليم لربكم في جميع أموركم ، ولا مندوحة لكم عن إحياء ما بهما (وَ) بجميع (ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) من الكتب السماوية ، ومن البشارة بمحمد صلىاللهعليهوآله ، خاتم النبيّين وسيد المرسلين ، الذي وعدكم به ربكم في كتابيكم : التوراة والإنجيل .. وقد أنزلها الله تبارك وتعالى تطييبا لقلب رسوله ، وبيّن أن الطائفتين ليستا على شيء ، ونوّه له (ص) بأنهما كأصحاب نوح عليهالسلام الذين كلّما دعاهم كلما ازدادوا فرارا منه وبعدا عنه فقال : (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً) فالقرآن العظيم الذي نزل عليك كان سببا في ازدياد كفرهم وطغيانهم ، وتعاظم حقدهم ونفاقهم ، فلا ينبغي لك ـ يا محمد ـ أن تهتمّ كفرهم وعنادهم فإنهم اختاروا الضلال على الهدى (فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) أي لا تتأسف عليهم ولا تحزن لأجلهم فإنهم ليسوا أهلا للشفقة والرقة لأنهم اختاروا لأنفسهم الكفر.
٦٩ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصارى ..) يؤكد سبحانه أن جميع هؤلاء المذكورين (مَنْ آمَنَ) منهم (بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فكان موحّدا مؤمنا بالبعث والنشور للحساب والثواب والعقاب (وَعَمِلَ صالِحاً) وهذا شرط ثالث هام ، لأن الثواب يكون أجرا للعمل (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) في الآخرة (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) إذ تشملهم النجاة من غضب الله وتنالهم الرحمة .. وقد مرّ بيان ذلك في سورة البقرة ، والصابئون قال عنهم إمامنا الصادق عليهالسلام سمي الصابئون لأنهم صبأوا ـ أي مالوا وذهبوا ـ إلى تعطيل الأنبياء والرسل والشرائع ، وقالوا : كل ما جاؤوا به باطل .. فهم بلا شريعة ولا كتاب.
والصابئون : رفع على الابتداء ، وخبره محذوف ، والنيّة به التأخير عمّا في حيّز : إنّ. أي : والصابئون كذلك. من آمن : مبتدأ ، وخبره : فلا خوف