المؤمنون ـ عن كافة طاعتهم (وَاتَّقُوا اللهَ) أي تجنّبوا ما يغضبه واعملوا ما يرضيه ، فترك ولاية حزب الشيطان من التقوى ، ومن علائم الإيمان فاتّقوه سبحانه (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) مصدّقين بما جاء من عند الله تبارك وتعالى.
٥٨ ـ (وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً ..) المناداة للصلاة تكون برفع الأذان الذي يدعو إلى الصلاة. وهذا الذي كان يذكّر المشركين والكفار بصلاتكم أيها المؤمنون ، فيهزءون بصلاتكم ويظنّونها لعبا يقام به وسخرية مضحكة.
وتفيد هذه الشريفة مشروعية الأذان بقرينة السياق ، وقد يقال : فعلى هذا يكون واجبا لأن الصلاة واجبة. ونحن نقول : نعم ، لو لا روايات الباب التي دلّتنا على استحبابه.
أما سبب نزول هذه الآية الكريمة التي صرّحت باستهزائهم من النداء للصلاة برفع الأذان ، فهو أن نصرانيّا بالمدينة كان إذا سمع المؤذّن يقول : أشهد أن محمدا رسول الله ، قال : أحرق الله الكاذب. وقد دخل خادمه ذات ليلة إلى البيت يحمل نارا وأهل بيته نيام ، فتحرّكت ريح وتتطاير الشّرار في البيت فأحرقه وأحرق أهله (ذلِكَ) أي هذا الاستهزاء ، كاشف (بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) لأن العقل بذاته ـ يهدي إلى نور الحقيقة ، ويجنّب الإنسان ظلمة الغواية والضلالة. ومن مشى في الضلالة كشف عن أنه فاقد للعقل ، وأنه لا يريد ان يزن الأمور بميزانها الصحيح ، فيضيع بجهله ، ويجحد العقيدة بعقله القاصر ، ولا يقوم بالعمل المرضيّ فيكون في غاية الخسران.
وقبل أن نختتم تفسير هذه الآية الكريمة ، نقول كلمة لا بد منها في الأذان : ففي كل عصر وزمان كان المرسوم والمتعارف بين أهل ملله وأديانه أن تحرّك عواطف وإحساسات أفراد الملّة بدعوتهم إلى ممارسة وظائفهم الفردية ـ دينية كانت أم اجتماعية ـ بشعار يتوسلون به للوصول إلى تلك