سبحانه : (وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي جميع ما في العوالم العلوية والسفلية بالملاك المذكور آنفا ، لأنه هو فاطر ذلك كله ، وخالق كل شيء ، وموجد ما في طبائعه ، يعلم ما في ظواهر مخلوقاته وما في بواطنها ، ولا يخفى عليه تعالى من ذلك شيء (وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) بحيث يعلم خواطر القلوب ووساوس الصدور ، ويعرف النيّات والمنويّات ، وعلمه محيط بجميع الممكنات ، ولا يعزب عن علمه شيء.
٣٠ ـ (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ ..) الظرف منصوب بمقدّر تدل عليه القرينة المقامية وهو : أذكر. وتجد : من الوجدان. ومحضرا حال من فاعله ، وإن كانت تجد من العلم ، فنصب : محضرا ، بناء على كونه مفعولا ثانيا.
ولما حذّر سبحانه العقاب في المباركة المتقدمة ، عيّن وقته وبيّن أنه اليوم الذي ترى النفوس فيه كلّ عمل بالرغم من أن الآمال أعراض والأعراض لا بقاء لها. ولكنها يراها العبد مسجّلة عليه بحسب حصولها في كتاب لا يضلّ ربّي ولا ينسى ، لأن رسله من الملائكة يستنسخون ما يعمل العباد ، مضافا إلى أنهم يرون نتائج الأعمال وجزاءها من خير أو شر. فأعمال كل نفس ، أو جزاء أعمالها ، ستجده مشاهدا من قبلها (مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً ، وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ ، تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) لأنها ستشاهد عملها السيّئ أيضا ، وتحبّ أن يفصلها عن رؤيته أمد بعيد ووقت طويل. ولكن على فرض ثبوت ذلك فإن «لو» شرطية ، وثبوت الجزاء يكون على فرض ثبوت شرطه ، كما هو المشاهد في قوله سبحانه : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) وغيره من الموارد .. (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) ترهيب آخر للحثّ على الأعمال الخيرية ، وتجنّب الأعمال السيئة ، وهو كالتحذير السابق من موالاة الكفّار ، ولا تكرار لاختلاف الموضوعين (وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) أي رحيم ، من مصاديق رحمته تحذيره مما يلازم عقابه. فلا بد من عمل يرجى به الثواب : كما أنه لا بد من تجنّب ما يخشى منه العقاب ، ونبتهل إليه أن يوفقنا لذلك.