(وَمَنْ يَكْفُرْ) أي ينكر ويجحد ، ولا يؤمن (بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي لم يصدق بكل واحد من هذه الخمسة المسمّيات (فَقَدْ ضَلَ) أي تاه عن الحق وضاع (ضَلالاً بَعِيداً) غير قريب ، ضاربا في البعد ، لأن إنكار واحد من هؤلاء يرجع بالحقيقة إلى إنكار وجود الصانع تبارك وتعالى ، فهو الذي أمر بالإيمان بهم بعد الايمان به سبحانه ، وهو حد الكفر به تعالى وتقدّس ، والكفر بالله أشد أنواع الكفر ، ويكون أشد عذابا من كل ذنب ، وأبعد من كل بعد عن رحمته عزوجل.
وأما ذكر الرسول تلو ذكر الجلالة في موضوع مراحل الإيمان ، ثم ذكر الملائكة تلو ذكره جلّ جلاله في مقام الكفر ، فلعله يرمز إلى أن في مراحل الايمان تكون مرحلة أصول العقائد. فالترتيب في ذلك هو ما ذكر : أي معرفة الصانع تعالى ، فإنه يجب على كل إنسان السعي في سبيل معرفته سبحانه ، وتحصيلها بالدليل والبرهان ، لأن إيمان المقلّد ومعرفته لوجود الصانع وإن كانت صحيحة عنده ، لكنه آثم من حيث تركه النظر في الأدلة والبراهين والحجج. فالمعتمد أولا ، هو تحصيل المعرفة بالحجج والبراهين والدليل المقنع ، حتى يبلغ الايمان به جلّ وعلا وبوجوده كمن يراه. فقد قال مولى الموالي أمير المؤمنين صلوات الله عليه في هذا المقام : عميت عين لا تراك .. ثم ينبغي للإنسان أن يجتهد في ذلك حتى يصل إلى درجة الفناء في ذات الله عزوجل ، كما حصل لموسى عليهالسلام مثلا في طور سيناء ، وكما جرى لنبيّنا صلىاللهعليهوآله ليلة الإسراء إذ رفعه الله تعالى فيها إليه فوصل إلى مقام ما وصل إليه نبيّ مرسل ولا ملك مقرّب ، وشاهد ما شاهد فحصل له من المعارف ، وكشف له من الحقائق ما لا يمكن لغيره من الخلق لا قبله ولا بعده .. فالفناء في الله أعلى مرتبة من مراتب الإيمان الشهوري الخاص بالخواص. أما غاية معرفة العوامّ فهي الإيمان العادي ـ الغبي ـ الذي لا يترقى في المراتب التي تعمّق الإيمان وترسّخه .. وأما الكفر فهو مرتبة واحدة ، إذ يكفي للإنسان أن يكفر بواحد مما ذكر في الآية الشريفة ليكون كافرا ، سواء كفر بالله أو برسله أو بملائكته ، إلخ .. فمن أنكر