كل ذلك ـ ولذا نفى العدل وأكد بلفظة : لن ، التي تفيد التأييد وشبه الاستحالة الواقعية من غير أن يستثني أحدا حتى الأنبياء الكرام والرّسل العظام. فلن يقدر رجل على الميل لزوجاته المتعددات بالتساوي ، كما أنه لا يمكن أن يحصل على ميلهنّ كلهن اليه بالتساوي والنسبة الواحدة ، ولا يحصل على رضاهن كما أنه لا يستطيع إرضاءهن بقسمة الليالي مهما تكلّف من التصنع ... فأنتم ـ أيها الرجال ـ مكلّفون بالعدل بمقدار استطاعتكم للعدل الذي تملكون أمره ، بالحرص على العدل ممّا أنتم مجبولون عليه من عاطفة الحب والكره ، أي الميل القلبي. نعم (فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ) أي لا تعرضوا تمام الإعراض عن واحدة منهن ، ولا تقبلوا كل الإقبال على أخرى ، بحيث تنعدم استطاعتكم في محاولة العدل بين نسائكم ، وبحيث تقع جفوة للمرغوب عنها. والله تعالى لا يرضى بذلك لأنه ظلم وهو سبحانه لا يحب الظالمين ، فاعلموا أن ما لا يدرك بتمام مراتبه ، لا يترك بتمامه ، أي ما لا يدرك جلّه لا يترك كله. وإنكم إذا ملتم عن واحدة وصرفتم وجهكم عنها ، تكونون قد جفوتموها (فَتَذَرُوها كَالْمُعَلَّقَةِ) أي أنها ذات بعل وكأنها ليست بذات بعل ، أو أنها لا بعل لها ولكنها ليست أيّما. وهذه الحالة هي أعظم عليها من ميلكم نفسه ومن طلاقها. فحاذروا ذلك قدر المستطاع إذ روي أن عليا أمير المؤمنين عليهالسلام كان له امرأتان ، فكان (ع) إذا كان يوم واحدة لا يتوضأ في بيت الأخرى (وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا) تصلحوا أنفسكم بعدم ميلكم التام ، فتطبّعون أنفسكم على مقاومة هواجس النفس ووساوس الشيطان ، وتتجنّبون الميل الكلّي امتثالا لأمر الله تعالى بحفظ الجميع ، وبإعطائهن جميع حقوقهن حتى في المبيت عند كل واحدة بنوبتها ، فتكونون قد فعلتم ما هو مشرّع بمقدار قدرتكم وبحسب تمكّنهم ، لتحصلوا على رضاهن الى حدّ يقع من جرّائه العطف والرحمة فيما بينكم بعون الله جلّ وعلا. فهذه المحاولة تبلغكم درجة من الإصلاح والتقوى اللّذين مدحهما الله (فَإِنَّ اللهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً) يعفو عن التقصير السالف غير المتعمّد في حقهن ، ويرحم محاول العدل يوم لا راحم غيره.