سائر شؤنهنّ. بل إن بيده تعالى بيان الأحكام في جميع الأمور إثباتا ونفيا ، وجعلا وعدما ، لأنه صاحب الشريعة والدين في جميع الأعصار منذ آدم عليهالسلام الى عهد رسوله الكريم نبيّنا محمد صلىاللهعليهوآله (وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ) أي ما يبيّن ويفسّر في القرآن المجيد حينما يقرأ ويشرح لكم وتتعلّمون منه ـ وهو أعلم بما فيه ، وبما قاله بشأن النساء و (فِي يَتامَى النِّساءِ) خاصة ، من (اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَ) أي ما كتب من الحكم لهن في اللوح المحفوظ. والمراد بيتامى النساء هنّ البنات اليتيمات اللواتي كان يمنع عنهن ارثهن ، ويمنعن من التزوّج بالغير لأكل ما لهنّ وحقهن. فالله سبحانه أمر بردّ أموالهن إليهن ، وإخلاء سبيلهن ليتزوّجن باختيارهن ، فإنكم قد سلكتم معهن طريقة الجاهلية حيث كان ديدنهم أن لا يورّثوا الصغير ولا المرأة ، وكانوا يقولون لا نورّث إلا من قاتل ودافع عن الحريم فأنزل الله تعالى آيات الفرائض في هذه السورة منذ قوله جلّ وعلا : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ) ونحوها ...
والحاصل أنكم تمنعون النساء واليتيمات منهن عن ارثهن ، وتمنعونهن عن التزوج حسب اختيارهن (وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَ) أي تتزوّجوهن. فقد كان الرجل الذي يضم اليتيمة الى بيته إن كانت جميلة تزوّجها وأكل مالها ، وإلّا عضلها ومنعها من الزواج بغيره وحبسها حتى تموت ليأكل إرثها ويحرمها مالها. وقد كانوا يحسبون أنهم يحسنون صنعا بهذا التصرف الغبيّ ، الى أن نهاهم الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر بعد نزول هذه الشريفة التي تقدّس حق اليتيمة وتمنحها الحرّية ، فمشوا الى رسول الله صلىاللهعليهوآله وشكوا اليه الأمر ، فقال (ص) : بذلك أمرت. فقد حفظ الله سبحانه حقهن وضمن حريتهن ، هنّ (وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ) أي الصبيان الصغار الذين كانوا يحرمونهم حقهم وإرثهم لعدم دفاعهم وقتالهم في سبيل الحريم ، فقد عطفهم سبحانه على يتامى النساء اللاتي كانوا يفعلون بهن ما ذكرنا. فأمر سبحانه بإنصاف هؤلاء وهؤلاء (وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ) أي بالعدل ، فأوجب إيصالهم جميعهم الى حقوقهم بتمامها كما