ونحن أولى بالله منكم. وقال المسلمون : نحن أولى منكم لأن نبيّنا خاتم الأنبياء ، وكتابنا خاتم الكتب السماوية ، فهو يقتضي على الكتب الماضية وينسخها بأجمعها ، فنزلت الشريفة لفصل المقاولة. فمن يعمل السوء يلق جزاءه بالسوء (وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) أي لا يجد لنفسه غير الله سبحانه ، إذا جاوز موالاته ونصرته ، إذ ليس من وليّ ينجيه ولا نصير يحميه من العذاب. والوليّ والناصر والمنجي هو الله تعالى وهو خير الناصرين.
١٢٤ ـ (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى ...) هذه الشريفة تتمة لسابقتها فإن المسيء يجازى بسوء عمله ، ومن عمل الأعمال الصالحة ، ذكرا كان أو أنثى ، وهو مؤمن بالله ورسله وكتبه وملائكته وبما جاء من عنده (فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ) باستحقاقهم وبحسب وعد ربّهم لهم (وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) أي ولا ينالهم ظلم ولو بمقدار النقير يعني الشيء القليل ـ والنقير هو الحفيرة الصغيرة غاية الصغر في ظهر النواة. والمراد أنه لا ينقص من أجر المحسن في عمله بمقدار ما يملأ تلك الحفيرة من الشيء الزهيد الذي هو في غاية الصّغر. وهو سبحانه يعبّر مرة بالذرة ، ومرة بالنقير ، نفيا للظلم عن ساحته المقدّسة ، ونفي الظّلم بمقدار ما يملأ النقير ، تشبيه في غاية البلاغة لأن ما يملأ النقير لا يوزن ولا يكال ولا يقدّر ، إذ لا يقع تحت إمكان الوزن والكيل والقياس ، فكأنه ليس بشيء في واقع التقدير ، فهو ـ إذا ـ آكد في نفي الظلم عنه سبحانه نفيا باتا بمقدار النقير أو الذّرة أو بأكثر أو بأقل منهما. تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا .. هذا ما نورده ببياننا القاصر لهذا التعبير الشريف ، وندع زيادة الدقة في فهمه لمن نوّر الله قلبه بنور الإيمان وفتح عليه مغاليق الفهم لأسرار كتابه الكريم ...
* * *
(وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ