بامتثالهم وطاعتهم ، ونجعلهم (خالِدِينَ فِيها أَبَداً) يحيون فيها الى أبد الأبد كما يخلد الشيطان وأتباعه في النار بالعدل فيهم وطبق مخازيهم ... ثم أكّد الجملتين بقوله عزوجل : (وَعْدَ اللهِ حَقًّا) وقد نصبت لفظة : وعد ، على المصدر ، والتقدير : وعد الله بذلك وعدا. فوعدا مصدر دلّنا الكلام على فعله الناصب له. وحقّا أيضا مصدر من حقّ يحق حقّا ، ومعناه : ثبت ووجب ولا خلف فيه. وجملة : وعد الله وعدا مؤكّدة لنفسها لأن مضمونها سبقه وعد من الله ، كما أن جملة : حقّ ذلك حقّا ، مؤكّدة لغيرها كما لا يخفى وجهه (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) استفهام إنكاريّ ، أي : لا أحد أصدق منه تعالى في جميع العوالم قيلا : يعني قولا حين يقول عزّ اسمه. وغير خاف على اللبيب أن في الكلام تأكيدا بليغا وبلاغة عظيمة تتجلّى في تضمّن الآية الشريفة معارضة وعد الشيطان الكاذب لأتباعه ، بوعد الله الصادق لسامعي أمره ومطيعيه.
١٢٣ ـ (لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَلا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ ...) هذه الشريفة تذييل وتفسير لما سبقها ، أي لا يكون ما وعد الله به من الثواب تابعا لتمنّياتكم أيها المؤمنون ، ولا تابعا لتمنّيات أهل الكتاب من اليهود والنصارى بأنهم لا يعذّبون بأفعالهم. بل الله فعّال لما يشاء من التعامل معكم ومعهم عاجلا أم آجلا وبأية كيفية شاء ، وقد قدّر أنّ (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) وهذا هو العدل الربانيّ الذي لا يدانيه عدل ، ففي العيون أن إسماعيل قال لأبيه الصادق عليهالسلام : يا أبتاه ، ما تقول في الذنب منّا ومن غيرنا ...؟ فقال عليهالسلام : ليس بأمانيّكم الى قوله : يجز به .. وفي المجمع عن أبي هريرة قال : لمّا نزلت هذه الآية بكينا وحزنّا وقلنا : يا رسول الله ما أبقت هذه الآية من شيء. فقال : أما والذي نفسي بيده إنّها لكما نزلت ، ولكن أبشروا وقاربوا وسدّدوا ، إنه لا يصيب أحدا منكم مصيبة إلّا كفّر الله بها خطيئته حتى الشوكة يشاكها أحدكم في قدمه.
وقيل في شأن نزول الآية أنه وقع تفاخر بين أهل الكتاب والمسلمين ، فقال أهل الكتاب : نبيّنا وكتابنا قبل نبيكم وكتابكم ، فهما أقدم عليكم