ببتك آذان أنعامهم لأن البتك مثله وهو منهيّ عنه في شرعنا ، بل لعله المثلة منهيّ عنها في سائر الشرائع. وقد نهى النبيّ صلىاللهعليهوآله عن المثلة ولو بالكلب العقور. فإن الحيوان يخرج بالمثلة عن خلقته الأصلية ويرى قبيح المنظر. فالمثلة من أعظم التغيير في خلق الله عزوجل ، ولذا يبغضها الله تعالى ويحرّمها ، ولذا كان المتعارف بين أصحاب الإبل والبقر والغنم أن تشق أذن الحيوان في محلّ معين كعلامة له ، لا أن يقطع شيء منها. فالبتك ـ كما قلنا ـ من المثلة ولذا أكدّ إبليس اللعين بالإغراء به والأمر بفعله ، أعاذنا الله تعالى من شر الشيطان وشر أعوانه بكرمه ومنّه. والدليل على ما قلناه من الفرق بين القطع والبتك ، أن البتك يجيء أيضا بمعنى الصرّم الذي هو القطع الشديد الذي تتميّز شدته بقطعه من أصله. بل الدليل الأقوى هو ما وجدناه في المجمع عن الصادق عليه وعلى آبائه وأبنائه المعصومين السلام في رواية يفسّر فيها : فليبتّكنّ بقوله : ليقطعنّ الآذان من أصلها. فالبتك إذا قطع مخصوص شنيع يصل الى حد المثلة كما بينّا. وقد تابع الشيطان في بيان مكائده التي سيغوي فيها الناس بقوله : (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) ففي المجمع أيضا ، عنه عليهالسلام : يريد دين الله وأمره سبحانه. ويؤيده قوله تعالى : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها ، لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ.) وقد فسّروا عليهمالسلام فطرة الله بالإسلام ، وهو الدين. ويحتمل أن إبليس لعنه الله أراد بتغيير خلق الله ، تبديله عن وجهه صورة وصفة. أمّا الصورة فإنها كإعماء الفحل أي الحامي الذي طال مكثه وكثر عمره ، فقد كانت العرب إذا بلغت إبلهم الألف أو قريبا منه ، عوروا عيني الفحل وسمّوه بالحامي ، وتلك سنّة سيئة جاءتهم من وساوس إبليس ، ومثلها خصاء العبيد الذي هو من بدعه وتزيينه وهذه كلّها محرّمة منه سبحانه وتعالى ، ومشروعة عند الجهلة من أتباع إبليس. وأمّا التغيير صفة ومعنى فمنه ، وأهمّه الكفر بالله ورسوله وبما جاء به قلبا ولو نطق بها لسانا. فكثيرون شهدوا بذلك بألسنتهم وأضمروا عكسه في قلوبهم فكانوا منافقين في عقائدهم ينتج عن نفاقهم ضرر كبير ومفاسد عظيمة. فقد فطر الله تعالى الخلق على استعداد للتحلّي بحلية الإيمان والطاعة ، ومن