فيه إنذار ليوم شديد بأن يصدّقوا بما انزل سبحانه : أي القرآن (مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ) حال كونه يعترف بما سبقه من كتب كالتوراة والإنجيل ، وقد أنذرهم بأن تصديقكم به مقبول (مِنْ قَبْلِ) اليوم الموعود الذي ينتهي به قبول الايمان والتصديق ، وهو (أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها) أي تنزل آية العذاب منّا على الكافرين والمنكرين ، حين نردّ وجوها الى أقفيتها فيمشي أصحابها القهقرى إذ تصير وجوههم وعيونهم الى أدبارهم أي خلفهم ، فتصير مقدّمتهم مؤخرة. وذلك يوم يحل الخسف بجيش السفيانيّ الذي يتوجّه لحرب صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه ولهدم مكة والكعبة المقدسة فيها. وعن الباقر عليهالسلام أن المعنى نطمسها عن الهدى فنردها على أدبارها في ضلالتها بحيث لا تفلح أبدا. وهو معنى عام لا ريب فيه فإنه تعالى يطبع على قلوب المتكبّرين والمتجبرّين ويرين عليها حين يرغبون عن الحق الى غيره ، ولكنه في هذه الشريفة يتحدث عن آية سماوية لا يقبل الله تعالى بعدها توبة ولا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل بحيث ننزل هذه النقمة بهم (أَوْ نَلْعَنَهُمْ) نخزيهم ونقصيهم عن رحمتنا (كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ) مثلما أخزينا الذين خانوا الله بيوم السبت من اليهود فمسخناهم قردة وقصتهم مشهورة في كتب التفاسير (وَكانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولاً) أي أن إرادته تقع لا محالة إن لم تؤمنوا ، وايمانكم هو توبتكم حقا وحقيقة وإقلاعكم عمّا أنتم عليه.
٤٨ ـ (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ ..) أي أنه تعالى غفار للذنوب ولكن الشّرك به لا يغفره مطلقا وقد حكم على المشرك به بالخلود في عذاب النار ، لأن أثر هذا الذنب لا ينمحي ولا يشمله العفو إلّا أن يتوب المشرك ويرجع الى الإسلام والتسليم لله تعالى بالوحدانية والربوبية فتجبّ توبته ما قبلها من شرك (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ) أي ما سوى الشرّك من المعاصي وصغار الذنوب فإنه يغفرها بلا توبة (لِمَنْ يَشاءُ) للذين يريد لهم المغفرة والتجاوز تفضلا منه وكرما لأن مقتضى هذه الحالة هو الوقوف بين الخوف والرجاء فلا إغراء فيه بعدم التوبة ، وتقييد المعتزلة إياه بالتوبة لا حجة له بل الحجة