الإسلام اليه ، يمكن أن يكون لأن الإنسان إذا أراد أن يتوجه الى شخص أو الى أمر من الأمور أو شيء من الأشياء ، يتوجه اليه بنفسه الناطقة ، فيتبعها باقي القوى الباطنية وسائر الحواس في مجال الأمور الباطنية ، أما في مجال الظاهر فوجه الإنسان هو مظهر سائر القوى والحواس ، وهو مرآتها. وكما أن النفس الناطقة هي أشرف أعضاء الإنسان ، فكذلك الوجه هو أشرف الجوارح الظاهرية لأنه يجمع الحواس كلها وعليه تظهر آية الحزن والسرور والغضب والفرح ، والتعب والراحة والعبوس والبشاشة وغير ذلك من الانطباعات التي ترتسم عليه. هذا وإن الإنسان إذا قصد أن يرى شخصا في أمر من الأمور ، فإنه قبل أن يحاوره ويقاوله ، يتوجه اليه أولا بوجهه ، وتتبعه سائر مقاديم الجوارح والأعضاء الظاهرية من البدن كما هو المشاهد بالوجدان فلا يحتاج الى برهان.
والحاصل أن بين النفس والوجه تشابها من بعض الجهات ، وهما من أشرف سائر القوى والجوارح. ولا بأس أن يقوم الوجه مقام النفس فيما نحن فيه.
(وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ) الأميين : أي الذين لا كتاب لهم كمشركي العرب من أهل مكة وغيرهم من أهل القرى. وهذا المعنى يناسب قوله : (لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) ولكن الأميّ في اللغة هو من لا يعرف القراءة ولا الكتابة باقيا على ما ولدته أمه. نعم لقد فسر الأمي في المجمع بمن لا كتاب له. والأم أصل الشيء والأميون هم من كانوا على ما ولدتهم عليه أمهاتهم من الجهل بالكتابة والقراءة والتمدن والتديّن. ولعل الملاك في قوله تعالى : (الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً) هو من هذا ، ولذلك كان ذيل تلك الشريفة : وأجدر أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله لأنهم كانوا متوغلين في الجهالة والبداوة وقد أشربت قلوبهم بالكفر والنفاق .. فقل يا محمد لهؤلاء وهؤلاء : (أَأَسْلَمْتُمْ ..) يعني : هل آمنتم بعد وضوح الحجج وإقامتها وتبين البراهين؟ .. وهل دخلتم في سلم الله ورسوله وصدقتموهما بحقيقة التصديق؟ .. والاستفهام تقريري ، ولذا يقول تعالى : (فَإِنْ أَسْلَمُوا)