وفي هذه الجملة قد يتوهم إشكال ، وهو أنه قد يستفاد من الآية الكريمة أنه تعالى لم يكن بعالم فعلا حال الذين آمنوا ، ويحصل له العلم بهم بعد ذلك ، مع أنه سبحانه عالم بكل شيء في كل آن! .. والجواب : وليجد المؤمنين على الحال التي سبق بها علمه ، لأن العلم يتعلق بالمعلوم ، فنزّل نفي العلم الفعلي في الآية الشريفة المستفاد من سياقها منزلة نفي متعلقه لأنه ينفى بانتفاء المتعلق. فإذا قيل ، لا يعلم الله حال الحاضر في زيد خيرا ، يراد بذلك ما في زيد خير حتى يعلمه الله. فدل عدم علمه سبحانه في الحال على نفي الايمان في ما مضى وفي زمان الحال. فنفى العلم لكون عدم متعلقه وهو إيمان الذين لم يؤمنوا بالفعل وإذا وجد إيمانهم وحصل فيوجد علمه تعالى به ويثبت ، وإلا فينتفي بانتفاء متعلقه كما في كل حكم وكل قضية تحتاج الى موضوع أو متعلق ، فهو نفي عند نفيه ، وهذا أمر برهانه معه .. بل لو قلنا إن الله تعالى عالم بإيمان الذين لم يؤمنوا لكان كذبا إلا باعتبار كونهم مشرفين عليه. وهذا مجاز وخارج عن بحثنا. وهذه الآية نظير قوله سبحانه : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ). بيان ذلك أنه : ولما يعلم الله المجاهدين ـ ولما يجاهدوا منكم حتى يعلم الله المجاهدين ، لأن العلم يتعلق هنا بالمعلوم ، فإذا انتفى متعلقه ينتفي هو أيضا ، فلذا كان نفي هذا منزلا منزلة نفي ذاك. ولما هي بمعنى لم ، إلّا أن هناك فرقا بينهما. ذاك أن لما فيها معنى من ضروب الترقب والتوقع ، فتدل في الآية على نفي الجهاد فيما مضى على توقع حدوثه وانتظار حصوله في المستقبل بخلاف لم ، فإنها لمطلق النفي لما مضى فالنفي بلما توقعي بخلاف ما هو في لم.
(وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ) عطف على ما قبله من قوله تعالى : وليعلم ، ونصبه بأن المقدرة كما في سابقه. وهذه العبارة وسابقتها من مصاديق العلة المقدرة في قوله : (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ). وقد بينا قبيل هذا أن علة المداولة هي المصالح والحكم العديدة ، منها علمه سبحانه بالمؤمنين وتميزهم عن غيرهم ، ومنها اتخاذه تعالى شهداء منهم .. وفي قوله تعالى :