أخاه عليا سأله : من لم يحج منا فقد كفر؟ قال : لا. ولكن من قال : ليس هذا هكذا ، فقد كفر. وقال بعض الأكابر مذيلا للرواية : وذلك لأن الكفر يرجع للاعتقاد دون العمل. فقوله سبحانه : ومن كفر ؛ أي : من لم يعتقد فرضه ، أو لم يبال به حيث إن عدم المبالاة يرجع الى عدم الاعتقاد. ونعم ما قال ... أما نحن فنقول توضيحا لمراده : إن تارك الحج تعمدا ثبوتا كافر. غاية الأمر إثباتا لا يطلق عليه كافر ، بل نقول : هو مسلم ، لكنه تعبدا يعتبر كما اعتبرته الروايات عن علي عليهالسلام عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : فليمت إن شاء يهوديا أو نصرانيا. فمن فعل ذلك (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) لأنه لا تزيد في ملكه طاعة المطيعين ، ولا تنقص منه معصية العاصين. وفي هذا توبيخ عظيم لمن ترك الحج مع الاستطاعة ، أي مع وجود شرائطها التي ذكرناها والتي حررتها كتب الفقه والربانيون. ووجه الإبدال عن الكافر المنكر لفريضة الحج بقوله تعالى : عن العالمين ، مع أن السياق كان يقضي بقوله : (فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌ) ، أما هذا فلأن إنكار فريضة الحج أو غيرها من الفرائض ، لو لم يؤمن بها جميع البشر لا يضر ذلك الله شيئا ، فكيف إذا لم يؤمن بها واحد أو أكثر ، فالله سبحانه مستغن عمن سواه وعن عبادة الناس وطاعاتهم ، ولكنه جعل هذه الأحكام وتشريعها. وتكليف الخلق بالإتيان بها وإقامتها ، من باب إقامة الشعائر الدينية لمصالح العباد التي هو عالم بها ويعود نفعها إليهم إذا عملوا بها ، وإذا تركوها فيعود الضرر والخسران عليهم لأنه تعالى غني عن سائر العالمين. وقد أجاد الشاعر الفرنسي الذي قال ما معناه : لو أن جملة الكائنات كفرت بخالقها وموجدها ، لما أنقص كفرها من كبريائه شيئا ...
* * *
(قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ (٩٨) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ