طلبتم من تغيير النعمة بأدونها وأخسّها ، فاضربوا في الأرض وكلوا منها بدل ما كان ينزل عليكم من السماء (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ) جملة خبريّة مستأنفة ، معلّلة بما سيأتي من قوله تعالى : ذلك بأنهم إلخ .. وهذه من الأخبار الغيبيّة التي ظهرت آثارها على اليهود من زوال ملكهم حتى أيّامنا هذه ، وستبقى إلى الأبد بلا ريب. فاليهود مع كثرتهم ووفرة أموالهم وكونهم أكثر الناس عملا وكدّا في سبيل الدنيا ، ما استقرّت لهم دولة مستقلّة حرة آمنة مطمئنّة ، ذلك أن ضارب الذلّة (أي : الهوان) هو الله سبحانه ، وجاعل المسكنة عليهم هو هو ، فهم محتاجون لغيرهم أبد الأبد. وأيّ ذلّ (أي حقارة) وخزي هو أعظم من حاجة دولة إسرائيل المسخ التي تحتاج دوما للدّعم الخارجي ، والتي هي ولاية ـ بالحقيقة ـ أقامتها أميركا هنا لتضرب المصالح العربية والإسلامية ، ولتبقى المنطقة ـ شرقيّ البحر المتوسط ـ تحت رحمتها وفي قبضتها ، تولّي من تولّي وتعزل من تعزل ، ومع ذلك لم تنم إسرائيل ـ المدّعاة دولة ـ لم تنم ليلة واحدة قريرة العين ، وشغلها الشاغل يتلخّص في زرع الشّقاق والنّفاق أينما كان ، لئلّا يتفرّغ المسلمون لها ويزيلوها من الوجود. وضربتها القاضية التي تمحقها منتظرة منصوص عليها في كتبهم وأخبارهم وفي كتبنا وأخبارنا ، وهي تتراءى في الأفق القريب بإذن الله تعالى عجّل الله فرج من يزيل الوجود اليهوديّ عن وجه الأرض ..
أما لماذا ضرب الله تعالى على اليهود هذه الذلّة وابتلاهم بهذه المسكنة ، فذلك أنهم قوم كفرة فجرة ، ليس أحد في الناس أشدّ منهم خصومة للأنبياء وعنادا لربّ السماء .. جرّعوا موسى وهرون عليهماالسلام الصّبر ، وقتلوا الأنبياء قتلات نكر ، وجحدوا نبوّة محمد (ص) مع أن كتبهم نصّت عليه بالصراحة والجهر. وهم أهل لجاج وعناد وخبث ومكر ، ولذا لعنوا أكثر من مرة (وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ) رجعوا بعد صفاتهم هذه كلّها مغضوبا عليهم ملعونين مستحقّين