ذكر لفظة (بارِئِكُمْ) مرة ثانية تقريع لبني إسرائيل وتوبيخ لهم على تركهم عبادة الخالق البارئ إلى عبادة حيوان مثل في البلادة فقد أوقعوا أنفسهم في هلكة لا يطهّرهم منها إلا سورة قتال لإفناء بعضهم بعضا ، يقتلون أنفسهم بأيديهم ليتوب عليهم ربّهم (التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) القابل للتوبة مرة بعد مرة والمبالغ في رحمة التائبين والإنعام عليهم بالمغفرة.
٥٥ ـ (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) ... لن نصدّقك ونعترف بنبوّتك وبأن الله تعالى أرسلك (حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) ننظر إليه عيانا وعلنا ، لنسأله عما تدّعيه من أنك نبيّ وصاحب كتاب وشريعة منزلة من عند الله! .. وجهرة : مصدر منصوب على أنه حال من المفعول المطلق ـ رؤية جهرة ـ أو من نرى الله : ويقال جهر بصوته في القراءة : رفعه وعرّضه للسّماع ، وهنا استعيرت للمعاينة. (فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) ذلك أنهم سألوا أمرا عظيما عنده سبحانه إذ طلبوا رؤيته مع أن المرئيّ ينبغي أن يكون مواجها وأن يكون جسما وهذا محال بحقه تعالى. وقد صدرت الآية عن تعنيف لهم على طلبهم فأخذتهم الصاعقة السماوية بغتة لخطورة ما رغبوا فيه ، فأحرقتهم بلا مهلة حريق استئصال. أو أنها كانت صيحة عذاب ، أو قصف رعد مهلك ، فماتوا في الحال التي هم عليها وهم ينظرون إلى الصاعقة تنزل عليهم. فما أحرى المسلمين بأن ينظروا إلى تعنّت اليهود وعنادهم حيث يرون العذاب ينزل عليهم ونبيّهم فيهم ، ثم لا يتوبون ولا يرعوون لقساوة قلوبهم التي طبع عليها بالكفر بل لا يتوسّلون بنبيّهم لرفع العذاب!. في حين أنّ الله تعالى كرّم المسلمين تكرمة لسيّد المرسلين إذ قال عزّ من قائل : وما كنت معذّبهم وأنت فيهم!.
٥٦ ـ (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ) .... أي أحييناكم. وآثر لفظة «بعثناكم» على لفظة «أحييناكم» لأنّ فيها حجة على صحة البعث والرجعة بعد الموت. (لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) تحمدون الله على إحيائكم بعد إماتتكم