المعروف والمشهور هو هذا لأنه يخالف كونها خلدا ، فيقال : إن خروج اثنين أو ثلاثة فيها لا ينافي الخلديّة إذا قوبل بخلود الكثيرين فيها من أول الدهر إلى آخره. وإذا فرضنا أن الخروج غير جائز بأي وجه كان ، فإن ذلك يصحّ لمن دخلها جزاء بما عمل من الصالحات ، لا بالنسبة لمن بدئ خلقه فيها ، أو أدخل فيها لمصلحة اقتضت ذلك موقّتا. فدخول آدم وحواء (ع) من هذا النوع ، مضافا إلى أنهما عصيا الله فيها وخالفا تكليفهما. فهما خارجان من القول بعدم الخروج ، لأن الجنّة ليس فيها مكان للعاصين ، ولا سيما إذا حصلت المعصية فيها.
والعصيان هو الخروج عن طاعة المولى. ويكون تارة بمخالفة أوامره الواجبة ، وطورا بترك أوامره المندوبة. والأول محرّم دون الثاني. ومرادنا من العصيان الذي تكلّمنا عنه النوع الثاني ومن المعروف أن حسنات الأبرار سيئات المقرّبين ، فكيف بترك الأولى ، وصدور أمر كان لا يحبّ الله صدوره عن عبده المحبوب ، فأخرجه تأديبا ، لا غضبا كإخراج إبليس لعنه الله.
(وَكُلا مِنْها رَغَداً) أي أكلا واسعا وافرا بلا عناء من أي مأكول تريدان فأنتما في سعة منها (وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ) أي شجرة الحنطة على ما هو المشهور والمعروف. وهذا النّهي تنزيهيّ لا تحريميّ. وقد علّق النهي فيه على الاقتراب من الشجرة ، لأن القرب من الشيء يغري به ويكون مقدّمة لفعله. والنهي عن المقدمة نهي عن ذيها أكيدا ، ولذلك قال سبحانه (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) لنفسيكما بالإقدام على ما ليس فيه صلاح لكما. وبعبارة أخرى : تظلمان نفسيكما الثواب بترك المندوب واتّباع الأمر الأحسن وهو الكفّ عن الأكل من الشجرة. والظّلم هو النقص في الحظّ والنّصيب ، فكأنهما أنقصا حظّهما الذي قدّر لهما في حال عدم الأكل من الشجرة. ولمّا أكلا منها حرما من الوصول إلى حقهما ومنعا منه فوقع في نصيبهما ـ الذي هو الثواب على