(وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) من أقام العمود إذا قوّمه واستقامه. والمراد هنا هو أن يعدّلوا أركان الصلاة ، ويأتوا بواجباتها على أصولها ومقرّراتها المشروعة حتى لا يقع فيها زيع ولا يتطرّق إليها باطل. (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) عطف سبحانه على الإيمان إقامة الصلاة التي هي رأس العبادات البدنية ، ثم عطف على ذلك العبادة الماليّة التي هي الإنفاق في سبيل الله على ما هو المقرّر شرعا من الواجب والمستحبّ. والرّزق لغة الحظّ والنّصيب ، وعرفا إعطاء الله تعالى للحيوان ما ينتفع به كلّ بحسبه ، فبالإضافة إلى الإنسان هو الأموال ، والقوى ، والأبدان السالمة ، والجاه ، والعلم ، وفي رأس هذه النّعم التوفيق لصرف كل واحدة منها في محلّه وفيما خلق لأجله. وعن محمد بن مسلم ، عن الصادق عليهالسلام أنه قال : هو العلم الذي منّا يأخذون ويعلّمون غيرهم. وعن ابن عباس أن المراد به زكاة المال التي يؤدّون إلى مصارفها. ومن إسناد الرزق إلى نفسه سبحانه ، ومدحهم بالإنفاق ، نستفيد أن الحرام خارج عنه وليس منه لتنزّه ساحته السامية وارتفاع مقامه العالي جلّ وعلا عن القبائح ، وعدم قابلية الحرام لمدح منفقه. والإتيان (بمن) التبعيضيّة رمز إلى أنهم في الإنفاق منزّهون عن الإسراف والتبذير. وتقديم المفعول لمزيد الاهتمام به لكونه حلالا ، ولكونه مما به تعيش الحيوانات طرّا. ولذا أسنده جلّ وعلا إلى ذاته المتعالية. وعن الصادق عليهالسلام : وممّا علّمناهم يبثّون. وهذا قريب مما ذكرناه سابقا عن محمد بن مسلم عنه (ع).
٤ ـ (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) : إما عطف على الذين يؤمنون بالغيب ، فالمراد بالمعطوف هو أهل الكتاب الذين آمنوا برسول الله وبما جاء به ، كعبد الله بن سلام وأشباهه ، فيشاركونهم في صفة التقوى. وإما عطف على المتّقين ، كأنه قيل : هدى لهؤلاء الذين يؤمنون بما أنزل إليك إلخ .. وهؤلاء هم الأوّلون بأعيانهم. وتوسيط العاطف على معنى أنهم الجامعون بين