حاكم على الاحتمالين الآخرين ، وإلّا فإن ما احتملناه لا يخلو من وجه والله أعلم.
(وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) ففي المجمع عن الباقر عليهالسلام : كانوا ـ أي أهل الجاهلية ـ إذا أحرموا لم يدخلوا بيوتهم من أبوابها ، ولكنهم كانوا ينقبون في ظهور بيوتهم ـ أي مؤخرها ـ نقبا يدخلون ويخرجون منه ، وكان هذا العمل سنّة وبرّا عندهم ، فنهوا عن التديّن به فأمرهم تعالى بالتقوى بقوله (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى) لا من اتّبع عادات آبائه (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) وباشروا الأمور على وجهها الذي ينبغي أن تباشر عليه ، ومن ذلك أخذ أحكام الدين من أهلها ، أي من محمد وأوصيائه صلوات الله عليهم أجمعين ، فهم أبواب الله والوسيلة إليه ، والدّعاة إلى الجنّة ، والأدلّاء عليها إلى يوم القيامة. وقد قال النبيّ (ص): أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، ولا تؤتى المدينة إلّا من بابها.
ووجه اتّصال قوله عزوجل : (لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها) بقوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ) ، أنه لمّا بيّن أنّ الأهلّة مواقيت للناس والحج ، وهو يعلم أنهم يقومون بأعمال تقليدية يزعمون أنها برا وسنّة حسنة ، نزلت الآية ردّا لبدعتهم ومخترعهم وبيانا أن البر يكون في اتّقاء معاصي الله تعالى ، وتجنّب غضبه ، والعمل بطاعته. ولذلك كرر ذكر الاتّقاء فقال (وَاتَّقُوا اللهَ) في جميع أموركم وأحوالكم وفي عدم تغيير أحكامه (لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) تنجحون في الوصول الى ثوابه ونيل درجاته الرفيعة التي ضمنها للمتّقين ووعدهم بها ، وتظفرون بالهدى والعمل لما يجعلكم صالحين مفلحين.
* * *
(وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (١٩٠)