الصلح مع علم القاضي بأن المقضي له ظالم ، وغيرها من العناوين غير المشروعة (وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) تدرون بأنكم مبطلون في دعواكم ، وارتكاب الإثم مع العلم به أقبح وأسوأ. ـ أو أن المراد بالحكّام أعمّ من الجائر ، والنهي عن الذهاب إليهم والمحاكمة عندهم هو المراد بالإدلاء ، من باب أن الناس يجعلونهم وسيلة لمحكوميّة مدّعيهم مع علمهم بأنهم على الباطل والمدّعي عليهم على الحق. فلذا نهى عن إلقاء الدعوى إلى القاضي لأكل مال الناس بحكم الحاكم ، لأن المدّعي إذا لم يكن عنده شاهد مع أنه على الحق فقد يحلف المنكر ، والحاكم يحكم بسقوط دعوى المدّعي طبق ميزان الدعاوي ، فيصير المنكر حاكما مع أنه باطل في إنكاره ، وحلفه كذب ، والحاكم ليس في حكمه آثما. هذا ولكنّ في المقام رواية تدل على الاحتمال الأول ، قال أبو عبد الله عليهالسلام : علم الله أنه سيكون في هذه الأمة حكّام يحكمون بخلاف الحق ، فنهى تعالى المؤمنين أن يتحاكموا إليهم وهم يعلمون أنهم لا يحكمون بالحق. فهذا الحديث يدل على أن الإقدام على العصيان مع العلم أو مع التمكن من العلم أعظم حرمة ، فيستفاد أن مقدّمة الحرام حرام.
١٨٩ ـ (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ) ... الظاهر بقرينة صيغة الجمع أن السؤال عن أحوال الهلال والكيفيّات العارضة عليه من الكمال التدريجيّ والنقص ، لا عن ماهيته وحقيقته بما هو هو ، وإلّا لكان بمقتضى الفصاحة أن يحكي الله تعالى عن سؤالهم بقوله : يسألونك عن الهلال أنه ما هو؟ .. فإن الاصطلاح جرى على أن السؤال عن الحقيقة يكون بما هو ، أي بما الحقيقة. وعلى هذا فإن الإتيان بصيغة الجمع جاءت بلحاظ الأحوال العارضة عليه والإشارة وإليها. أي عن كل حال من نقصه على اختلاف منازله وكماله التدريجي بالنسبة لمنازله أيضا ، وكيف يكون هلالا ثم كيف يكون لاحقا أو يصير سابقا. ولو أتى بصيغة المفرد لكان حسنا ويحصل المقصود ، إلّا أنه لا يترتّب عليه ما ترتّب على الجمع لكونه رمز إلى أشياء لا تفيدها صيغة الإفراد.