والعاصين. وليس عليك أن تجبرهم على الإيمان ودين الإسلام ، ولا تحزن إن هم أصرّوا على الكفر والجحد والاستكبار (وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) أي لا تتحمل مسئولية أحد منهم يوم القيامة ولا يقال لك : لم لم يؤمن هؤلاء بدعوتك بعد تبليغك ، فإنهم من أهل النار المحرقة وهم يتحمّلون مسئولية أنفسهم. وفي الآية المباركة تسلية للنبيّ الأكرم (ص) ، إذ كان يغتمّ لإصرارهم على الكفر ويتأذى من نفاقهم بمقتضى كونه نبيّ الرحمة ولا يرضى لأحد أن يعذّب بالنار ويكون من أهلها.
١٢٠ ـ (وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى) ... أي أنّ أهل الكتاب من الملّتين لا يقبلون منك دعوة ما زلت متديّنا بدين الإسلام ولا يرضون عنك (حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) فتترك عقيدتك وتلتحق بدينهم. وفي هذا إقناط له (ص) منهم ومن إيمانهم به ، ومبالغة في عنادهم وبعدهم عن الحق ، من أجل أن يقطع كلّ أمل بإسلامهم ويرتاح ولا يغتمّ بعد ذلك. وفي هذا بيان لأمرهم حكاه الله تعالى عن لسان حالهم أو عن إسرارهم فيما بينهم ، ولذلك قال له : (قُلْ) مجيبا لهم : (إِنَّ هُدَى اللهِ) أي دلالته إلى الطريق المستقيم الذي هو الإسلام (هُوَ الْهُدى) وهو الصراط القويم الموصل إلى الحق والحقيقة ، لا ما تقولون بألسنتكم الكاذبة ، ولا ما تضمرون بقلوبهم الكافرة المتحجرة ، ولا ما تسرّون بأنفسكم الخبيثة بلا برهان ولا حجة (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ) فإذا اتّبعت ميولهم النفسية الفاسدة المرموز إليها بالأهواء التي هي بدع من عند أنفسهم (١) (بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) بعد دين الحق الذي علمت صحته وكونه
__________________
(١) نستفيد من هذه الآية الشريفة أن التكليف قبل التعليم ، أي قبل الإرشاء والهداية بالحجة ، غير جائز. وجعل البالغ الرشيد مسئولا غير صحيح وليس بموجّه .. ولعلّ الحقّ معهم في الاستفادة ، لأن الآية ظاهرة في تعليق نفي الولاية والنّصرة لا على التبعية المطلقة كيفما اتّفقت ، بل على التبعية بعد العلم بحقّانية الإسلام وأنه دين الحق الذي ـ