١٠٥ ـ (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ ...) ودّ : أحبّ. أي لا يحبّ الكفّار ولا أهل الكتاب يعني أتباع التوراة والإنجيل ، لأنهما الكتابان الوحيدان الموجودان في عصر الفترة إلى ظهور النبيّ الأكرم (ص) ، فلا يحبّ هؤلاء الكفار من أهل الكتاب (وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ) حسدا منهم وكيدا. و «لا» في قوله : (وَلَا الْمُشْرِكِينَ) لتأكيد النفي. وجملة أن ينزل عليكم ، في محل نصب مفعول ليودّ. والمراد من الخير هو الوحي أو القرآن. و «من» للتبيّن ، وتفيد الاستغراق فيشمل كذلك الحجج والمعجزات الدالّة على النبوّة (وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) من النبوّة والتوفيق والهداية لدين الإسلام (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) يختار لرسالته بالرحمة والهداية والتوفيق من يشاء. وهذا من أعظم الفضائل وأحسنها كما يدل قوله عزّ وعلا ، وليس بعد قوله قول.
١٠٦ ـ (ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها) ... النسخ هو الإلغاء. وهذه الشريفة جاءت في مقام الردّ على اليهود حيث طعنوا في أن النبيّ يقول بنسخ شريعته لكل شريعة سبقتها. فالله تعالى يصدّق قول رسوله (ص) ، وتصديقه رد لاعتراضهم. و «ما» مفعول لننسخ وقد جزمته شرطا. وقد قرأ ابن عامر بضمّ النون وكسر السين : ما ننسخ من باب إفعال أي : أمرنا جبرائيل (ع) بالنسخ. وقوله ننسها ، إما من النّسء بالهمز ، أي التأخير ، أو من الإنساء (مصدر أنسي : ينسى) بمعنى إذهابها عن القلوب ومحوها منها. ونسخ الآية يكون إمّا برفع التقيّد بقراءتها ، أو برفع الحكم المستفاد منها ، أو هما معا. فالمتحصّل أن كلّ آية نرفع حكمها أو نمحوها من الأذهان بحيث كأنها لم تكن (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها) للعباد في أمور دينهم ودنياهم (أَوْ مِثْلِها) فلا يفوتهم شيء بسبب النسخ (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) والخطاب هنا للنبيّ (ص) والمراد به الأمة. أي اعلموا أنه تعالى يقدر على النسخ والتبديل والإتيان بما هو