التأكيدات مصطلح وارد في كل اللغات واللهجات ، وقد نزل القرآن عليها ترغيبا فيه. ويمكن أن يجاب عن ذكر الأيدي بأن في ذكرها فائدة تدلّ على بيان مباشرتهم ذلك التحريف بأنفسهم ، مما يزيد في تقبيح عملهم ، فإنه قد يقال : كتب فلان كذا ، وإن لم يباشر الكتابة بنفسه كمن يكون عند كاتب. فهؤلاء كانوا يحرّفون أحكام التوراة (ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ) وذلك أنهم كتبوا صفات النبي (ص) عن التوراة بعد ما حرّفوها ، ثم نسبوها إلى التوراة المنزلة ، كقولهم للمستضعفين : إنه يظهر في آخر الزمان ، وأنه طويل القامة ، ضخم الجثة ، بطين ، أصهب الشّعر أشقره. ونحو ذلك من الصفات الكاذبة التي ليس فيه (ص) واحدة منها (لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) أي ليعتاضوا بما يأخذونه من أعراض الدنيا. كالهدايا والرّشى والوجاهة ، وغير ذلك مما هو قليل زائل مهما كان جليلا. (وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) من الحرام ، والمعاصي بإزاء هذه المقالات الكاذبة.
٨٠ ـ (وَقالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ) ... هذا جوابهم لذوي أرحامهم حين سألوهم : لم تفعلون هذا النفاق مع أنكم تنالون غضب الله وسخطه وستخلدون في النار؟. فأجابوا قائلين : ليس الأمر كما تزعمون ، ولن يعذّبنا الله بالنار (إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً) كمقدار ما عبدنا العجل ـ أربعين يوما ـ ثم نصير إلى الجنان. والمسّ هو اتصال الشيء ببشرة الجسم حيث يتمّ الإحساس. (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْداً) أي : يا محمّد قل لهؤلاء المنافقين : بأي برهان تستدلّون على دعواكم الباطلة؟. هل عقدتم مع الله سبحانه عهدا بأن لا يعذّبكم إلّا بمقدار ما عبدتم العجل؟. (أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) أم تدّعون الكذب وتفترون على الله؟. أي بأيّ الأمرين تقولون ، فأنتم كاذبون. همزة أم عديلة ، ويمكن أن تكون منقطعة ، بمعنى : بل تقولون على الله ما ليس لكم به علم.