إلى بدع أهل الكلام من أهل الإرجاء وغيرهم إلى ظهور الفسق فصار ذلك الخطأ اليسير فى اللفظ سببا لخطأ عظيم فى العقائد والأعمال فلهذا أعظم القول فى ذم الإرجاء حتى قال إبراهيم النخعى : لفتنهم ـ يعنى المرجئة ـ أخوف على هذه الأمة من فتنة الأزارقة. وقال الزهرى : ما ابتدعت فى الإسلام بدعة أضر على أهله من الإرجاء ، وقال الأوزاعى : كان يحيى بن أبى كثير وقتادة يقولان : ليس شيء أخوف عندهم على الأمة من الإرجاء (١).
وبعد هذه الدراسة الموجزة لآراء الفرق المخالفة فى تعريف الإيمان يتضح أنها قد انحصرت فى خمسة مذاهب :
الأول : أن الإيمان مجرد المعرفة القلبية بالله وهو مذهب الجهمية.
الثانى : أن الإيمان هو : التصديق بالقلب فقط وهو مذهب الماتريدية والأشاعرة.
الثالث : أن الإيمان هو الإقرار باللسان فقط وهو مذهب الكرامية.
الرابع : أن الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان وهو مذهب الإمام أبى حنيفة وأتباعه.
الخامس : أن الإيمان قول باللسان وتصديق بالقلب وعمل بالجوارح إلا إنه لا يزيد ولا ينقص فمتى ذهب بعضه ذهب كله وهو مذهب الخوارج والمعتزلة.
ومن هنا يتضح أن كلا من : المذهب الأول والثانى والثالث والرابع اتفق أصحابه على عدم ركنية العمل فى الإيمان ، وانفرد المذهب الخامس بإدخال العمل إلا أنه جعله أصلا فى الإيمان. وهذا خلاف مذهب أهل السنة الذين جعلوه فرعا كما سبق إيضاحه ، ثم إن المذهب الأول شذ عن بقية المذاهب فى الإيمان حيث جعله مجرد ما فى القلب من المعرفة بالله. وهذا لم يقله أحد غير الجهمية. لذا نجد الإمام أحمد وغيره يكفرون من اعتقد هذا المعتقد الفاسد.
__________________
(١) المصدر السابق ص : ٣٧٨.