ويقول ابن تيمية : «والمرجئة الذين قالوا : الإيمان تصديق بالقلب وقول باللسان ، والأعمال ليست منه ، كان منهم طائفة فقهاء الكوفة وعبادها ، ولم يكن قولهم مثل قول جهم ، فعرفوا أن الإنسان لا يكون مؤمنا إن لم يتكلم بالإيمان مع قدرته عليه ، وعرفوا أن إبليس وفرعون وغيرهما كفار. مع تصديق قلوبهم لكنهم إذا لم يدخلوا أعمال القلوب فى الإيمان لزمهم قول جهم ، وإن أدخلوها فى الإيمان لزمهم دخول أعمال الجوارح أيضا فإنها لازمة لها ولكن هؤلاء لهم حجج شرعية بسببها اشتبه الأمر عليهم» (١).
ويقول فى موضع آخر : «ومما ينبغى أن يعرف أن أكثر التنازع بين أهل السنة فى هذه المسألة هو نزاع لفظى ، وإلا فالقائلون بأن الإيمان قول من الفقهاء كحماد بن أبى سليمان (٢) ـ وهو أول من قال ذلك ومن اتبعه من أهل الكوفة وغيرهم ـ متفقون مع جميع علماء السنة على أن أصحاب الذنوب داخلون تحت الذم والوعيد ، وإن قالوا : إن إيمانهم كامل كإيمان جبريل فهم يقولون : إن الإيمان بدون العمل المفروض ومع فعل المحرمات يكون صاحبه مستحقا للذم والعقاب ، كما تقوله الجماعة ، ويقولون أيضا : بأن من أهل الكبائر من يدخل النار كما تقوله الجماعة ، والذين ينفون عن الفاسق اسم الإيمان من أهل السنة متفقون على أنه لا يخلد فى النار فليس بين فقهاء الملة نزاع فى أصحاب الذنوب إذا كانوا مقرين باطنا وظاهرا بما جاء به الرسول ، وما تواتر عنه أنهم من أهل الوعيد وأنه يدخل النار منهم من أخبر الله ورسوله بدخوله إليها ، ولا يخلد منهم فيها أحد ، ولا يكونون مرتدين مباحى الدماء ، ولكن الأقوال المنحرفة قول من يقول بتخليدهم فى النار ، كالخوارج والمعتزلة ، وقول غلاة المرجئة الذين يقولون : ما نعلم أن أحدا منهم يدخل النار ، بل نقف فى هذا كله. اه (٣).
ويقول أيضا أى ابن تيمية : لكن اللفظ المطابق للكتاب والسنة هو الصواب فليس لأحد أن يقول بخلاف قول الله ورسوله لا سيما وقد صار ذلك ذريعة
__________________
(١) الإيمان ص : ١٨٣.
(٢) أبو إسماعيل صدوق له أوهام. توفى سنة عشرين ومائة أو قبلها. تقريب : ١ / ١٩٧.
(٣) الإيمان ص : ٢٨١ ـ ٢٨٢.