وإلزامه من الخطاب الداحض لحجته ما لا يحسن فى سياق غيره ولا ينكر هذا إلا غبى.
الثامن : أن هذا المجاز وإن احتمل فى قوله : (وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ) (١) فذلك لأنه قد علم أنهم جميعا مستقرون على الأرض فهى فوقية قهر وغلبة لم يلزم مثله فى قوله : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) إذ قد علم بالضرورة أنه وعباده ليسوا مستوين فى مكان واحد حتى تكون فوقية قهر وغلبة.
التاسع : ... (وأنه) قد جاءت فوقية الرب مقرونة بمن كقوله تعالى : (يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) فهذا صريح فى فوقية الذات ولا يصح حمله على فوقية الرتبة لعدم استعمال أهل اللغة له.
العاشر : ما فى الصحيحين من حديث أبى هريرة رضى الله عنه عن النبيصلىاللهعليهوسلم قال : «لما قضى الله الخلق كتب فى كتاب فهو عنده فوق العرش رحمتى سبقت غضبى» (٢) وفى لفظ : «فهو عنده موضوع على العرش» فتأمل قوله : «فهو عنده فوق العرش» هل يصح حمل الفوقية على المجاز وفوقية الرتبة والفضيلة بوجه من الوجوه.
وفى صحيح مسلم عن النبي صلىاللهعليهوسلم فى تفسير قوله (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) وبقوله : «أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء» (٣) فجعل كمال الظهور موجبا لكمال الفوقية ولا ريب أنه ظاهر بذاته فوق كل شيء والظهور هنا العلو ومنه قوله : (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) (٤) أى يعلوه وقرر هذا المعنى بقوله : «فليس فوقك شيء» أى أنت فوق الأشياء كلها ليس لهذا اللفظ معنى غير ذلك ولا يصح أن يحمل الظهور على الغلبة لأنه
__________________
(١) سورة الأعراف / ٢١٧.
(٢) أخرجه البخارى ٦ / ٢٨٧ ، ومسلم ٤ / ٢١٠٧ من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.
(٣) رواه مسلم ٤ / ٢٠٨٤ ، وأحمد ٢ / ٣٨١ ، وابن ماجه ٢ / ١٢٥٩ وأبو داود ٥ / ٣٠١. من حديث أبى هريرة رضى الله عنه.
(٤) سورة الكهف / ٩٧.