الثانى : أن الظاهر خلاف ذلك.
الثالث : أن هذا الاستعمال المجازى لا بد فيه من قرينة تخرجه عن حقيقته فأين القرينة فى فوقية الرب تعالى.
الرابع : أن القائل إذا قال : الذهب فوق الفضة قد أحال المخاطب على ما يفهم من هذا السياق والمعتد بأمرين عهد تساويهما فى المكان وتفاوتهما فى المكانة فانصرف الخطاب إلى ما يعرفه السامع ولا يلتبس عليه. فهل لأحد من أهل الإسلام وغيرهم عهد بمثل ذلك فى فوقية الرب تعالى حتى ينصرف فهم السامع إليها.
الخامس : أن العهد والفطر والعقول والشرائع وجميع كتب الله المنزلة على خلاف ذلك وأنه سبحانه فوق العالم بذاته فالخطاب بفوقيته ينصرف إلى ما استقر فى الفطر والعقول والكتب السماوية.
السادس : أن هذا المجاز لو صرح به فى حق الله كان قبيحا فإن ذلك إنما يقال فى المقاربين فى المنزلة وأحدهما أفضل من الآخر وأما إذا لم يتقاربا بوجه فإنه لا يصح فيهما ذلك.
السابع : أن الرب سبحانه لم يمتدح فى كتابه ولا على لسان رسوله بأنه أفضل من العرش وأن رتبته فوق رتبة العرش وأنه خير من السموات والعرش والكرسى وحيث ورد ذلك فى الكتاب فإنما هو فى سياق الرد على من عبد معه غيره وأشرك فى إلهيته فبين سبحانه أنه خير من تلك الآلهة كقوله : (آللهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ) (١) وقوله : (أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (٢) وقول السحرة : (وَما أَكْرَهْتَنا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقى) (٣) ولكن أين فى القرآن مدحه نفسه وثناؤه على نفسه بأنه أفضل من السموات والعرش والكرسى ابتداء ولا يصح إلحاق هذا بذلك إذ يحسن فى الاحتجاج على المنكر
__________________
(١) سورة النمل / ٥٩.
(٢) سورة يوسف / ٣٩.
(٣) سورة طه / ٧٣.