وإن كان الأمر فى غاية الوضوح ولله الحمد. فالمعرفة بأن الله عزوجل عالم بكل شيء بما كان وما سيكون أمر فطرى. ولا ينكر هذا إلا زنديق حتى القدرية الأولى الذين جحدوا أن الله يعلم الأشياء قبل وقوعها سرعان ما اندثر قولهم إما لرجوعهم عنه لبطلانه ووقاحته أو لأجل وقوف الأمة على مختلف نزعاتها فى طريقهم والإنكار عليهم (١).
يقول شارح الطحاوية : والدليل العقلى على علمه تعالى أنه يستحيل إيجاد الأشياء مع الجهل ، ولأن إيجاده الأشياء بإرادته. والإرادة تستلزم تصور المراد ، وتصور المراد : هو العلم بالمراد ، فكان الإيجاد مستلزما للإرادة والإرادة مستلزمة للعلم ، فالإيجاد مستلزم للعلم ولأن المخلوقات فيها من الإحكام والإتقان ما يستلزم علم الفاعل لها ، لأن الفعل المحكم المتقن يمتنع صدوره عن غير علم ، ولأن من المخلوقات ما هو عالم والعلم صفة كمال ويمتنع أن لا يكون الخالق عالما. وهذا له طريقان : أحدهما أن يقال : نحن نعلم بالضرورة أن الخالق أكمل من المخلوق ، وأن الواجب أكمل من الممكن ونعلم ضرورة أنا لو فرضنا شيئين ، أحدهما عالم والآخر غير عالم ـ كان العالم أكمل ، فلو لم يكن الخالق عالما لزم أن يكون الممكن أكمل منه وهو ممتنع.
والثانى : أن يقال : كل علم فى الممكنات التى هى المخلوقات ـ فهو منه ومن الممتنع أن يكون فاعل الكمال ومبدعه عاريا منه بل هو أحق به. والله تعالى له المثل الأعلى ، ولا يستوى هو والمخلوقات ، لا فى قياس تمثيلى ولا فى قياس شمولى ، بل كل ما ثبت للمخلوق من كمال فالخالق به أحق ، وكل نقص تنزه عنه مخلوق فتنزيه الخالق عنه أولى (٢). اه.
أعود وأقول أن هذه الصفة لا ينكرها إلا زنديق. والسلف ومن تبعهم من الكلابية والأشاعرة فى هذه المسألة يقولون : أن الله عزوجل عالم بعلم هو صفة له كما تقدم عند تقرير مذهب السلف.
__________________
(١) انظر : ص : ١٤٥.
(٢) شرح العقيدة الطحاوية ص : ٢٤٨.