الّذي هو جزء من اللفظ أو اسمه إذا لم يوجد إلا حرف ، ولكن هذا المطلق بل الأعيان الموجودة فى الخارج قائمة بأنفسها ، كالإنسان لا يوجد مجردا عن الأعيان فى الأعيان ، لا يوجد مجردا عن الأعيان إلا فى الذهن ، لا فى الخارج ، فكيف بالحرف الّذي لا يوجد فى الخارج إلا مؤلفا ، فلو قدر أنه يوجد فى الخارج غير مؤلف متعدد الأعيان كما يوجد الإنسان لم تكن حقيقته مطلقة من حيث هى هى موجودة إلا فى الأذهان لا فى الأعيان.
فتبين أن الحروف تختلف أحكامها باختلاف معانيها واختلاف المتكلم بها ، وهذا أوجب تعظيم حروف القرآن المنطوقة والمسطورة وكان لها من الأحكام الشرعية ما امتازت به عما سواها ، واختلاف الأحكام إنما كان لاختلاف صفاتها وأحوالها.
فتبين أن الواجب أن يقال ما قاله الأئمة كأحمد وغيره : أن كلام الإنسان كله مخلوق حروفه ومعانيه ، والقرآن غير مخلوق حروفه ومعانيه. وقد ثبت فى الصحيح عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «يقول الله : أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمى فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته» (١) وقال الربيع بن أنس عن المسيح أنه قال : «عجبا لهم كيف يكفرون به وهم يتقلبون فى نعمائه ويتكلمون بأسمائه» (٢).
وذكر فى معظم حروف المعجم أنها مبانى أسماء الله الحسنى ، وكتبه المنزلة من السماء ، وهذا مما يحتج به من قال : ليست مخلوقة ، وليس بحجة ، فإن أسماء الله من كلامه وكلامه غير مخلوق ، وما اشتقه هو من أسمائه فتكلم به فكلامه به غير مخلوق وأما إذا اشتقوا اسما أحدثوه فذلك الاسم هم أحدثوه ولا يلزم إذا كان المشتق منه غير مخلوق ، أن يكون المشتق كذلك. وما يروى عن المسيح فلا يعرف ثبوته عنه ، وبتقدير ثبوته فإذا كان قد ألهم عباده أن يتكلموا بالحروف التى هى مبانى أسمائه التى تكلم بها لم يلزم أن يكون ما أحدثوه هم غير مخلوق (٣).
__________________
(١) انظر : فتح البارى ١٠ / ٤١٧ ؛ وصحيح مسلم ٤ / ١٩٨٠ ـ ١٩٨١.
(٢) وهذه الأخبار لا يجوز الاعتماد عليها ، وهو ما سيبينه ابن تيمية.
(٣) مجموع الفتاوى ١٢ / ٤٤١ ـ ٤٥١.