والثانى : التلفظ به والأداء له فعل العبد.
فإطلاق الخلق على اللفظ قد يوهم المعنى الأول وهو خطأ وإطلاق نفى الخلق عليه قد يوهم المعنى الثانى وهو خطأ فمنع الإطلاقين. (١)
ويزيدنا شيخ الإسلام ابن تيمية إيضاحا للمسألة فيقول :
«... وأيضا إذا قرأ الناس كلام الله فالكلام فى نفسه غير مخلوق إذا كان الله قد تكلم به ، وإذا قرأه المبلغ لم يخرج عن أن يكون كلام الله ، فإن الكلام كلام من قاله مبتدئا أمرا يأمر به ، أو خبرا يخبره ، ليس هو كلام المبلغ له عن غيره ، إذ ليس على الرسول إلا البلاغ المبين ، وإذا قرأه المبلغ فقد يشار إليه من حيث هو كلام الله فيقال هذا كلام الله مع قطع النظر عما بلغه به العباد من صفاتهم. وقد يشار إلى نفس صفة العبد كحركته وحياته وقد يشار إليهما فالمشار إليه الأول غير مخلوق ، والمشار إليه الثانى مخلوق ، والمشار إليه الثالث فمنه مخلوق ومنه غير مخلوق ، وما يوجد فى كلام الآدميين من نظير هذا هو نظير صفة العبد لا نظير صفة الرب أبدا ...
وما ينبغى أن يعرف كلام المتكلم فى نفسه واحد ، وإذا بلغه المبلغون تختلف أصواتهم به ، فإذا أنشد المنشد قول لبيد :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل
كان هذا الكلام كلام لبيد لفظه ومعناه ، مع أن أصوات المنشدين له تختلف ، وتلك الأصوات ليست صوت لبيد. وكذلك من روى حديث النبي صلىاللهعليهوسلم بلفظه ، كقوله : «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى (٢)». كان هذا كلام رسول الله صلىاللهعليهوسلم لفظه ومعناه ويقال لمن رواه : أدى الحديث بلفظه وإن كان صوت المبلغ ليس هو صوت الرسول فالقرآن أولى أن يكون كلام الله لفظه ومعناه وإذا قرأه القراء فإنما يقرءونه بأصواتهم.
__________________
(١) مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة ٢ / ٣١٠.
(٢) رواه البخارى ١ / ٩ ، ومسلم ٣ / ١٥١٥.