الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (١). فالقرآن من علم الله عزوجل وفى هذه الآيات دليل على أن الّذي جاءه صلىاللهعليهوسلم من العلم هو القرآن لقوله عزوجل : (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ).
وقد روى عن غير واحد ممن مضى من سلفنا رحمهمالله أنهم كانوا يقولون : القرآن كلام الله عزوجل وليس (٢) بمخلوق وهو الّذي أذهب إليه ولست بصاحب كلام ولا أرى الكلام فى شيء من هذا إلا ما كان فى كتاب الله عزوجل ، أو فى حديث عن النبي صلىاللهعليهوسلم أو عن أصحابه أو عن التابعين. فأما غير ذلك فإن الكلام فيه غير محمود (٣).
__________________
(١) سورة البقرة / ١٤٥.
(٢) انظر : شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائى : ٢ / ٢٢٧ ـ ٣١٢ فقد ساق جملة كبيرة من أقوالهم.
(٣) فى رواية عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : القرآن كلام الله عزوجل وليس بمخلوق ولا تخاصموا ولا تجالسوا من يخاصم. السنة لعبد الله ص : ٢١.
وفى رواية حنبل بن إسحاق قال : القرآن كلام الله غير مخلوق ولا تخاصم فى هذا ولا تكلم فيه ولا أرى الجدال ولا المراء فيه. السنة للخلال (ق ١٥٦ / أ).
وفى رواية أخرى قال : سمعت أبا عبد الله يقول : قد نهيتم أن تماروا فى القرآن وأن تضربوا بعضه ببعض ما لكم وللجدل فى القرآن ، القرآن كلام الله غير مخلوق على كل جهة وعلى كل حال وحيث تصرف. المصدر السابق (ق : ١٩٣ / ب).
وفى أخرى : ولا أحبذ الخوض فى هذا ولا الكلام فيه. المصدر السابق (ق : ١٨٩ / ب) وفى مناظرته فى المحنة قال : ولست صاحب مراء ولا كلام وإنما أنا صاحب آثار وأخبار. محنة أحمد لحنبل بن إسحاق ص : ٥٤.
وقال أيضا : وقد كنا نهاب الكلام فى هذا حتى أحدث هؤلاء ما أحدثوا وقالوا ما قالوا ودعوا الناس إلى ما دعوهم إليه. المصدر السابق (ق : ١٥٧ / أ).
ونقل الدارمى فى الرد على المريسى ص : ١١٠ عن أحمد قوله : كنا نرى السكوت عن هذا قبل أن يخوض فيه هؤلاء فلما أظهروه لم نجد بدا من مخالفتهم والرد عليهم.
قال الدارمى : إنما كره السلف الخوض فيه مخافة أن يتأول أهل البدع والضلال ، وأغمار الجهال ما تأولت ... فحين تأولتم فيه خلاف ما أراد الله وعطلتم صفات الله ، وجب على كل مسلم عنده بيان أن ينقض عليكم دعواكم فيه ، ولم يكره السلف الخوض فى القرآن جهالة بأن كلام الخالق غير مخلوق ، ولا جهالة أنه صفه من صفاته ... فكره القوم الخوض فيه إذ لم يكن يخاض فيه علانية ، وقد أصابوا فى ترك الخوض فيه إذ لم يعلن.
فلما أعلنوه بقوة السلطان ، ودعوا العامة إليه بالسياط والسيوف ، وادعوا أن كلام الله مخلوق أنكر عليهم ذلك من غبر من العلماء ومن بقى من الفقهاء فكذبوهم وكفروهم وحذروا الناس أمرهم ـ