يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : وكان السلف قد أظهروا ذلك لما أظهرت القدرية أن أفعال العباد غير مخلوقة لله. وزعموا أن العبد يحدثها أو يخلقها دون الله ، فبين السلف والأئمة أن الله خالق كل شيء من أفعال العباد وغيرها (١). اه.
قال الطحاوى رحمهالله تعالى : وأصل القدر سر الله تعالى فى خلقه ، لم يطلع على ذلك ملك مقرب ولا نبى مرسل ، والتعمق والنظر فى ذلك ذريعة الخذلان ، وسلم الحرمان ، ودرجة الطغيان ، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرا وفكرا ووسوسة فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه ، ونهاهم عن مرامه ، كما قال تعالى فى كتابه : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) (٢) فمن سأل : لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين (٣).
قال الشارح معلقا على قوله : فمن سأل ... إلخ : اعلم أن معنى العبودية والإيمان بالله وكتبه ورسله ـ على التسليم وعدم الأسئلة عن تفاصيل الحكمة فى الأوامر والنواهى والشرائع. ولهذا لم يحك الله عن أمة نبى صدقت بنبيها وآمنت بما جاء به أنها سألته عن تفاصيل الحكمة فيما أمرها به ونهاها عنه وبلغها عن ربها ، ولو فعلت ذلك لما كانت مؤمنة بنبيها بل انقادت وسلمت وأذعنت ، وما عرفت من الحكمة عرفته وما خفى عنها لم تتوقف فى انقيادها وتسليمها على معرفته ولا جعلت ذلك من شأنها (٤). اه.
وفى الختام أقول : إن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان لا يتحقق إيمان عبد إلا به. وقد ذكرت ما وجدته عن الإمام أحمد من روايات فى مسائل القدر
__________________
(١) مجموع الفتاوى : ٨ / ٤٠٦ ـ ٤٠٧.
(٢) سورة الأنبياء / ٢٣.
(٣) شرح العقيدة الطحاوية ص : ٢٧٦.
(٤) نفس المصدر ص : ٢٩.