وهذا أيضا يشمل الرواية عنهم ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية فى معرض كلامه عن القدرية : وأخرج البخارى ومسلم لجماعة منهم لكن من كان داعية إليه لم يخرجوا له. وهذا مذهب فقهاء الحديث كأحمد وغيره أن من كان داعية إلى بدعة ، فإنه يستحق العقوبة لدفع ضرره عن الناس (١).
وقد عقد الحافظ اللالكائى فى كتابه شرح أصول أهل السنة فصلا بعنوان «سياق ما روى فى منع الصلاة خلف القدرية والتزويج إليهم وأكل ذبائحهم ورد شهادتهم» ذكر فيه جملة كبيرة من أقول التابعين (٢) كما ساق اللالكائى جملة كبيرة من أقوال الصحابة والتابعين فى مجانبة أهل القدر وسائر أهل الأهواء (٣).
أما الجدال فى القدر فهو منهى عنه وذلك لما يؤدى من نتائج سلبية ؛ فالقدر سر الله عزوجل. روى الإمام أحمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : لقد جلست أنا وأخى مجلسا ما أحب أن لى به حمر النعم أقبلت أنا وأخى وإذا مشيخة من صحابة رسول الله صلىاللهعليهوسلم جلوس عند باب من أبوابه فكرهنا أن نفرق بينهم فجلسنا حجرة إذ ذكروا آية من القرآن فتماروا فيها حتى ارتفعت أصواتهم فخرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم مغضبا قد احمر وجهه يرميهم بالتراب ويقول : «مهلا يا قوم بهذا أهلكت الأمم من قبلكم باختلافهم على أنبيائهم وضربهم الكتب بعضها ببعض إن القرآن لم ينزل يكذب بعضه بعضا بل يصدق بعضه بعضا فما عرفتم منه فاعملوا به وما جهلتم منه فردوه إلى عالمه» (٤).
وقد كان السلف يكرهون الجدال فى القدر ويذمونه. وقد تقدم فى رواية المروزي إنكار أحمد على من قال : جبر العباد وعلى القدرى الّذي قال : لم يجبر فلما سأله المروزي عن الجواب فى هذه المسألة أجابه بقول الله تعالى : (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (٥).
__________________
(١) الإيمان ص : ٣٦٩.
(٢) انظر : المصدر المشار إليه : ٤ / ٧٣٠ ـ ٧٣٦.
(٣) انظر : المصدر المشار إليه : ٤ / ٦٣٤ ـ ٦٣٨.
(٤) مسند أحمد : ٢ / ١٨١ ، وابن ماجه : ١ / ٣٣ ، واللالكائى فى شرح أصول السنة : ٤ / ٦٢٧ والحديث صحيح. انظر : شرح العقيدة الطحاوية ص : ٢١٨.
(٥) انظر ص : ١٥٧.