وهذا هو مذهب السلف فى التسمية والحكم. وهذا ما كان عليه صحابة رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى أن ظهر الخوارج وأظهروا معهم معتقداتهم الفاسدة التى منها تكفير مرتكب الكبيرة (١) ـ وهو قول جمهورهم ـ ومنهم من يكفر بالذنوب عامة صغيرها وكبيرها (٢) مع الإصرار عليها وعلى النقيض من ذلك ما قاله غلاة المرجئة من أنه لا يضر مع الإيمان معصية كما لا ينفع مع الكفر طاعة فأسبغوا على الفاسق المنحرف اسم الإيمان المطلق.
ونتيجة لهذا الوضع المتناقض ظهر المعتزلة ولم يذهبوا بعيدا عن الخوارج فى مرتكب الكبيرة ، فوافقوهم فى الحكم وخالفوهم فى التسمية فقالوا : هو فى منزلة بين المنزلتين بين الكفر والإيمان لا مؤمن ولا كافر وكان هدفهم من وراء ذلك معاملتهم فى الدنيا معاملة المسلمين فى النكاح والميراث ونحو هذا بخلاف الخوارج الذين كفروه كفرا ينقله عن الملة وجعله معظمهم مباح الدم والمال والعرض.
والسلف رحمهمالله وفقهم الله عزوجل إلى الصواب ـ فى هذه القضية العقدية الخطيرة ـ فكان قولهم وسطا بين المرجئة من جهة والخوارج والمعتزلة من جهة أخرى فهم لم يصفوا الفاسق بالإيمان المطلق ، لأن هذا الوصف يترتب عليه دخول صاحبه الجنة ونجاته من النار ، والفاسق مستحق للوعد بما معه من إيمان وللوعيد لما اقترفه من المعاصى أو لما ترك من الواجبات قال جل ذكره (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (٣) والفاسق يخاطب باسم الإيمان أو الإسلام ويعامل معاملة المسلمين. لذلك قالوا : هو من حيث التسمية مؤمن ناقص الإيمان وبعضهم يقول : مؤمن بإيمانه فاسق
__________________
(١) يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : وقد اتفق المسلمون على أنه من لم يأت بالشهادتين فهو كافر وأما الأعمال الأربعة فاختلفوا فى تكفير تاركها ، ونحن إذا قلنا أهل السنة متفقون على أنه لا يكفر بالذنب ، فإنما نريد المعاصى كالزنا والشرب ، وأما هذه المبانى ففى تكفير تاركها نزاع مشهور. ا ه. الإيمان ص : ٣٨٧. وقد ساق ابن تيمية بعض الروايات عن أحمد فى ذلك وسأذكرها جميعها عند الكلام عن قول الإمام أحمد فى تارك الصلاة والزكاة والصيام والحج ص : ٢ / ٣٤ ـ ٥٢.
(٢) انظر : الخلاف فى ضابط الكبيرة والصغيرة : مسلم بشرح النووى : ٢ / ٨٤ ـ ٨٧ ، شرح العقيدة الطحاوية ص : ٤١٦ ـ ٤١٩. مجموع الفتاوى لابن تيمية : ١١ / ٦٥٠ ـ ٦٦٠.
(٣) سورة النساء / ٤٨ ، ١١٦.