وأحمد بن حنبل وإن كان قد قال فى هذا الموضع : إن الإسلام هو الكلمة ، فقد قال فى موضع آخر : إن الأعمال من الإسلام وهو اتبع هنا قول الزهرى ـ رحمهالله ـ فإن كان مراد من قال ذلك : أنه بالكلمة يدخل فى الإسلام ولم يأت بتمام الإسلام ، فهذا قريب. وإن كان مراده أنه أتى بجميع الإسلام وإن لم يعمل فهذا غلط قطعا ، بل قد أنكر أحمد هذا الجواب ، وهو قول من قال : يطلق عليه الإسلام وإن لم يعمل ، متابعة لحديث جبريل ، فكان ينبغى أن يذكر قول أحمد جميعه (١). قال إسماعيل بن سعيد : ... فقد جعل أحمد من جعله مسلما إذا لم يأت بالخمس معاندا للحديث مع قوله : إن الإسلام هو الإقرار ، فدل ذلك على أن ذاك أول الدخول فى الإسلام وأنه لا يكون قائما بالإسلام الواجب حتى يأتى بالخمس ، وإطلاق الاسم مشروط بها ، فإنه ذم من لم يتبع حديث جبريل. وأيضا فهو فى أكثر أجوبته يكفر من لم يأت بالصلاة ، بل وغيرها من المبانى ، والكافر لا يكون مسلما باتفاق المسلمين ، فعلم أنه لم يرد أن الإسلام هو مجرد القول بلا عمل ، وإن قدر أنه أراد ذلك ، فهذا يكون أنه لا يكفر بترك شيء من المبانى الأربعة ، وأكثر الروايات عنه بخلاف ذلك. والذين لا يكفرون من ترك هذه المبانى يجعلونها من الإسلام كالشافعى ومالك ، وأبى حنيفة ، وغيرهم ، فكيف لا يجعلها أحمد من الإسلام. وقوله فى دخولها فى الإسلام أقوى من قول غيره (٢). اه.
وبهذا البيان الشافى من شيخ الإسلام يتضح لنا مراد الإمام أحمد من تفريقه بين الإسلام والإيمان. وممن قال بالفرق بينهما ابن عباس والحسن البصرى وابن سيرين وعبد الرحمن بن مهدى إضافة إلى من تقدم فى قول ابن حامد (٣) قال شيخ الإسلام ابن تيمية : «ولا علمت أحدا من المتقدمين خالف هؤلاء فجعل نفس الإسلام نفس الإيمان ، ولهذا كان عامة أهل السنة على هذا». (٤) اه.
__________________
(١) مراد شيخ الإسلام أن أبا عبد الله بن حامد عند ما استشهد برواية إسماعيل بن سعيد ذكر الجزء الأول منها ولم يذكر كامل الرواية التى توضح مراد الإمام أحمد.
(٢) مجموع الفتاوى : ٧ / ٣٦٩ ـ ٣٧١
(٣) انظر : الإيمان لابن مندة : ٣١١ ، شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائى : ٤ / ٨١٢ ، مجموع الفتاوى : ٧ / ٣٧٩.
(٤) مجموع الفتاوى : ٧ / ٣٥٩.